نواصل اليوم السبت، العشرون من شهر رمضان الكريم، سلسلة آية و5 تفسيرات، ونتوقف عند قول الله تعالى فى سورة النمل فى الآية رقم 89 " مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ".
تفسير بن كثير
ثم بين الله تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال: (من جاء بالحسنة فله خير منها) - قال قتادة: بالإخلاص، وقال زين العابدين: هى لا إله إلا الله - وقد بين فى المكان الآخر أن له عشر أمثالها (وهم من فزع يومئذ آمنون)، كما قال فى الآية الأخرى: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) [الأنبياء: 03 ]، وقال: (أفمن يلقى فى النار خير أم من يأتى آمنا يوم القيامة) [فصلت: 40 ]، وقال: (وهم فى الغرفات آمنون) [ سبأ: 37 ].
تفسير الطبرى
يقول تعالى ذكره: (مَنْ جَاءَ) الله بتوحيده والإيمان به, وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه (فَلَهُ) من هذه الحسنة عند الله (خَيرٌ) يوم القيامة, وذلك الخير أن يثيبه الله (مِنْهَا) الجنة, ويؤمنِّه (مِنْ فَزَعٍ) الصيحة الكبرى وهى النفخ فى الصور، (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يقول: ومن جاء بالشرك به يوم يلقاه, وجحود وحدانيته (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ) فى نار جهنم.
وبنحو الذى قلنا فى ذلك, قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنى محمد بن خلف العسقلاني, قال: ثنى الفضل بن دكين, قال: ثنا يحيى بن أيوب البجلي, قال: سمعت أبا زرعة، قال: قال أبو هُريرة- قال يحيى: أحسبه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) قال: وهى لا إله إلا الله (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ) قال: وهى الشرك.
حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: ثنا أبو يحيى الحماني, عن النضر بن عربيّ، عن عكرمة، عن ابن عباس، فى قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) قال: من جاء بلا إله إلا الله,( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ)، قال: بالشرك.
حدثنى عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس, قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) يقول: من جاء بلا إله إلا الله (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) وهو الشرك.
تفسير القرطبى
قوله تعالى: من جاء بالحسنة فله خير منها قال ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما: الحسنة: لا إله إلا الله. وقال أبو معشر: كان إبراهيم يحلف بالله الذى لا إله إلا هو ولا يستثنى أن الحسنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقال على بن الحسين بن على رضى الله عنهم: غزا رجل فكان إذا خلا بمكان قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له فبينما هو فى أرض الروم فى أرض جلفاء وبردى رفع صوته فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له فخرج عليه رجل على فرس عليه ثياب بيض فقال له: والذى نفسى بيده إنها الكلمة التى قال الله تعالي: من جاء بالحسنة فله خير منها وروى أبو ذر قال: قلت: يا رسول الله أوصنى، قال: اتق الله وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات: لا إله إلا الله ؟ قال: من أفضل الحسنات وفى رواية قال: نعم هى أحسن الحسنات. ذكره البيهقى، وقال قتادة: من جاء بالحسنة بالإخلاص والتوحيد. وقيل: أداء الفرائض كلها.
قلت: إذا أتى بلا إله إلا الله على حقيقتها وما يجب لها على ما تقدم بيانه فى سورة (إبراهيم) فقد أتى بالتوحيد والإخلاص والفرائض. فله خير منها قال ابن عباس: أى وصل إليه الخير منها، وقاله مجاهد وقيل: فله الجزاء الجميل وهو الجنة وليس (خير) للتفضيل. قال عكرمة وابن جريج: أما أن يكون له خير منها يعنى من الإيمان فلا، فإنه ليس شيء خيرا ممن قال: لا إله إلا الله، ولكن له منها خير. وقيل: فله خير منها للتفضيل، أى ثواب الله خير من عمل العبد وقوله وذكره، وكذلك رضوان الله خير للعبد من فعل العبد، قاله ابن عباس وقيل: يرجع هذا إلى الإضعاف فإن الله تعالى يعطيه بالواحدة عشرا ; وبالإيمان فى مدة يسيرة الثواب الأبدي. قاله محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد وهم من فزع يومئذ آمنون قرأ عاصم وحمزة والكسائى (فزع يومئذ) بالإضافة. قال أبو عبيد: وهذا أعجب إلى لأنه أعم التأويلين أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم، وإذا قال: من فزع يومئذ صار كأنه فزع دون فزع. قال القشيري: وقرئ: (من فزع) بالتنوين ثم قيل يعنى به فزعا واحدا كما قال: لا يحزنهم الفزع الأكبر وقيل: عنى الكثرة لأنه مصدر والمصدر صالح للكثرة.
قلت: فعلى هذا تكون القراءتان بمعنى. قال المهدوي: ومن قرأ: (من فزع يومئذ) بالتنوين، انتصب (يومئذ) بالمصدر الذى هو (فزع) ويجوز أن يكون صفة ل (فزع) ويكون متعلقا بمحذوف ; لأن المصادر يخبر عنها بأسماء الزمان وتوصف بها، ويجوز أن يتعلق باسم الفاعل الذى هو (آمنون)، والإضافة على الاتساع فى الظروف، ومن حذف التنوين وفتح الميم بناه لأنه ظرف زمان، وليس الإعراب فى ظرف الزمان متمكنا، فلما أضيف إلى غير متمكن ولا معرب بني. وأنشد سيبويه:
على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب.
تفسير البغوى
(من جاء بالحسنة) بكلمة الإخلاص، وهى شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو معشر: كان إبراهيم يحلف ولا يستثني: أن الحسنة لا إله إلا الله. وقال قتادة: بالإخلاص. وقيل: هى كل طاعة (فله خير منها) قال ابن عباس: فمنها يصل الخير إليه، يعني: له من تلك الحسنة خير يوم القيامة، وهو الثواب والأمن من العذاب، أما أن يكون له شيء خير من الإيمان فلا لأنه ليس شيء خيرا من قوله لا إله إلا الله. وقيل: فله خير منها يعني: رضوان الله، قال تعالى: " ورضوان من الله أكبر " (التوبة - 72) ، وقال محمد بن كعب، وعبد الرحمن بن زيد: " فله خير منها " يعني: الأضعاف، أعطاه الله تعالى بالواحدة عشرا فصاعدا وهذا حسن لأن للأضعاف خصائص، منها: أن العبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن الأضعاف، ومنها: أن للشيطان سبيلا إلى عمله وليس له سبيل إلى الأضعاف، ولا مطمع للخصوم فى الأضعاف، ولأن الحسنة على استحقاق العبد والتضعيف كما يليق بكرم الرب تبارك وتعالى. (وهم من فزع يومئذ آمنون) قرأ أهل الكوفة: " من فزع " بالتنوين " يومئذ " بفتح الميم، وقرأ الآخرون بالإضافة لأنه أعم فإنه يقتضى الأمن من جميع فزع ذلك اليوم، وبالتنوين كأنه فزع دون فزع، ويفتح أهل المدينة الميم من يومئذ.
تفسير السعدى
ثم بين كيفية جزائه فقال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} اسم جنس يشمل كل حسنة قولية أو فعلية أو قلبية { فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } هذا أقل التفضيل
{وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} أي: من الأمر الذى فزع الخلق لأجله آمنون وإن كانوا يفزعون معهم.