فى الليلة الماضية حكى مزين بغداد عن قصته مع الخليفه حيث دفعه فضوله للتواجد مع رجال محجوزون فى سفينة، ولم يكن يعرف أنه صدر ضدهم قرار بقطع الرقبة.
وفى الليلة السابعة والثلاثين قال: بلغنى أيها الملك السعيد أن المزين قال: لما السياف ضرب رقاب العشرة وبقيت أنا فالتفت الخليفة فرآنى فقال للسياف: ما بالك لا تضرب رقاب جميع العشرة؟ فقال: ضربت رقاب العشرة كلهم، فقال له الخليفة: ما أظنك ضربت رقاب غير تسعة وهذا الذى بين يدى هو العاشر فقال السياف: وحق نعمتك إنهم عشرة قال: عدوهم فإذا هم عشرة فنظر إلى الخليفة وقال: ما حملك على سكوتك فى هذا الوقت وكيف صرت مع أصحاب الدم؟ فلما سمعت خطاب أمير المؤمنين قلت له: اعلم يا أمير المؤمنين أنى أنا الشيخ الصامت وعندى من الحكمة شيء أكثر وأما رزانة عقلى وجودة فهمى وقلة كلامى فإنها لا نهاية لها وصنعتى الزيانة فلما كان أمس بكرة النهار، نظرت هؤلاء العشرة قاصدين الزورق فاختلت بهم ونزلت معهم وظننت أنهم فى عزومة فما كان غير ساعة وإذا هم أصحاب جرائم فحضرت إليهم الأعوان ووضعوا فى رقابهم الأغلال ووضعوا فى رقبتى غلاً من جملتهم، فمن فرط مروءتى سكت ولم أتكلم بين يديك فأمرت بضرب رقاب العشرة وبقيت أنا بين يدى السياف ولم أعرفكم بنفسى، أما هذه مروءة عظيمة وقد أحوجتنى إلى أن أشاركهم فى القتل لكن طول دهرى هكذا أفعل الجميل.
فلما سمع الخليفة كلامى وعلم أنى كثير المروءة قليل الكلام ما عندى فضول كما يزعم هذا الشاب الذى خلصته من الأهوال قال الخليفة: وأخوتك الستة مثلك فيهم الحكمة والعلم وقلة الكلام؟ قلت: لا عاشوا ولا بقوا إن كانوا مثلى ولكن ذممتنى يا أمير المؤمنين ولا ينبغى لك أن تقرن أخوتى بى لأنهم من كثرة كلامهم وقلة مروءتهم كل واحد منهم بعاهة ففيهم واحد أعرج وواحد أعور واحد أفكح وواحد أعمى وواحد مقطوع الأذنين والأنف وواحد مقطوع الشفتين وواحد أحول العينين، ولا تحسب يا أمير المؤمنين أنى كثير الكلام ولا بد أن أبين لك أنى أعظم مروءة منهم ولكل واحد منهم حكاية اتفقت له حتى صار فيه عاهة، وإن شئت أن أحكى لك فاعلم يا أمير المؤمنين أن الأول وهو الأعرج كان صنعته الخياطة ببغداد، فكان يخيط فى دكان استأجرها من رجل كثير المال وكان ذلك الرجل ساكناً فى الدكان وكان فى أسفل دار الرجل طاحون، فبينما أخى الأعرج جالس فى الدكان ذات يوم إذ رفع رأسه فرأى امرأة كالبدر الطالع فى روشن الدار وهى تنظر الناس فلما رآها أخى تعلق قلبه بحبها وصار يومه ذلك ينظر إلهيا وترك اشتغاله بالخياطة إلى وقت المساء، فلما كان وقت الصباح فتح دكانه وقعد يخيط وهو كلما غرز غرزة ينظر إلى الروشن فمكث على ذلك مدة لم يخيط شيئاً يساوى درهماً، فاتفق أن صاحب الدار جاء إلى أخى يوماً من الأيام ومعه قماش وقال له: فصل لى هذا وخيطه أقمصة فقال أخي: سمعاً وطاعة ولم يزل يفصل حتى فصل عشرين قميصاً إلى وقت العشاء وهو لم يذق طعاماً، ثم قال له: كم أجرة ذلك؟ فلم يتكلم أخى فأشارت إليه الصبية بعينها أن لا يأخذ منه شيئاً وكان محتاجاً إلى الفلس واستمر ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب إلا القليل بسبب اجتهاده فى تلك الخياطة، فلما فرغ من الخياطة التى لهم أتى إليهم بالأقمصة وكانت الصبية قد عرفت زوجها بحال أخى وأخى لا يعلم ذلك واتفقت هى وزوجها على استعمال أخى فى الخياطة بلا أجرة بل يضحكون عليه فلما فرغ أخى من جميع أشغالهما عملا عليه حيلة وزوجاه بجاريتهما وليلة أراد أن يدخل عليها قالا له: أبت الليلة فى الطاحون وإلى الغد يكون خيراً، فاعتقد أخى أن لهما قصداً بريئاً فبات فى الطاحون وحده وراح زوج الصبية يغمز الطحان عليه ليدوره فى الطاحون فدخل عليه الطحان فى نصف الليل وجعل يقول: أن هذا الثور بطال مع أن القمح كثير وأصحاب الطحين يطلبونه فأنا أعلقه فى الطاحون حتى يخلص طحين القمح، فعلقه فى الطاحون إلى قرب الصبح.
فجاء صاحب الدار، فرأى أخى معلقاً فى الطاحون والطحان يضربه بالسوط فتركه ومضى وبعد ذلك جاءت الجارية التى عقد عليها وكان مجيئها فى بكرة النهار فحلته من الطاحون وقال قد شق على أو على سيدتى ما جرى لك وقد حملنا همك فلم يكن له لسان يرد جواباً من شدة الضرب، ثم أن أخى رجع إلى منزله وإذا بالشيخ الذى كتب الكتاب قد جاء وسلم عليه وقال له: حياك الله زواجك مبارك أنت بت الليلة فى النعيم والدلال والعناق من العشاء إلى الصباح فقال له أخى لا سلم الله الكاذب يا ألف قواد، والله ما جئت إلا لأطحن فى موضع الثور إلى الصباح فقال له: حدثنى بحديثك فحدثه أخى بما وقع له فقال له: ما وافق نجمك نجمها ولكن إذا شئت أن أغير لك عقد العقد أغيره لك بأحسن منه لأجل أن يوافق نجمك نجمها فقال له: انظر إن بقى لك حيلة أخرى. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.