خلال شهر رمضان المبارك نقدم لكم سلسلة "افطر مع رواية"، ونقدم من خلالها عرض لإحدى الروايات العربية الحاصلة على الجوائز الكبرى، ونقدم لكم اليوم رواية "شمس بيضاء باردة" للكاتبة الأردنية كفى الزعبى، الصادرة عام 2018 عن دار الآداب للنشر والتوزيع فى بيروت، ودخلت فى القائمة النهائية "القصيرة" للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" لعام 2019.
تروى الكاتبة الأردنية "كفى الزعبي" فى هذه الرواية حكاية شاب أردنى فقير، مثقف، يشعر بالغربة عن بيئته الاجتماعية المحافظة. يعمل مدرسًا فى العاصمة عمان، يضطر لاستئجار غرفة بائسة بلا نافذة فى إحدى أحياء عمان الفقيرة. تبدو هذه الغرفة للبطل مثل حياته؛ بلا نافذة، وتتفاقم فيها مشاكله، صراعاته وأسئلته الوجودية.
تطرح الرواية أسئلة جوهرية فى أصل الأشياء والعلاقات، حول الإنسان وحضوره فى المجتمع، كما تنطلق التساؤلات إلى آفاق الهم الإنسانى: الوجود، الأمان، التجذر، الحرية، المواطنة، الدين، لتثير بتلك الأسئلة الفلسفية التى تدور حول الوجودية والذات المتمثلة فى الفرد، فالبطل يعيش فى واقع سوداوى ملىء بالحروب والأزمات النفسية والصراعات الفكرية والسياسية والاقتصادية، وتطرح الرواية كذلك سؤالا عن رؤية الواقع الأليم من خلال شخصية البطل الرئيسية «راعى» فهو شخص محطم حزين هش غير اجتماعى يحدثنا قائلا: «لا أدرى إن كان هذا التشاؤم فطريا، أم أنه ناتج من المأساوية التى طالما واجهتنى بها الحياة، أم من هذا الهراء البشرى الذى أعيش فى لجته؟».
تستلهم الرواية من "ملحمة جلجامش" وتستحضرها كنص درامى موازٍ بثيماته وشخصياته الرئيسة، حيث توهمنا الرواية أنها تعيد قراءة جلجامش المعاصر عبر تغييب جلجامش أو مسخه أحياناً أو عبر التوهم بموت جلجامش وبقاء أنكيدو وحيداً « راعى وأحمد « – فى قلبٍ لسردية الأسطورة – دون القدرة على التأقلم أو الفعل دون حضور جلجامش الذى يتم استبداله كبديلٍ سيكولوجى من الشخصيتين الرئيسيتين راعى وأحمد بعشتار « زوجة أحمد « وعدوة جلجامش فى الملحمة ؟، هذا التفكيك للأسطورة وتبيئتها عبر شخصياتٍ واقعيةٍ مأزومةٍ وبائسةٍ ومحاولة إعادة بناء الأسطورة من جديد عبر التقاط ركام الأسطورة التاريخى ومزجها من جديد بعيداً عن نسق الملحمة الذى نعرفه كان واحداً من تقنيات هذه الرواية الجديدة فى استخدام هذه التقنية التى تعمل على قراءة تحولات الأسطورة التاريخى فى الشخصيات الواقعية الحضور.