فى الليلة الماضية واصل مزين بغداد حكايته مع الخليفة، وبعدما قص له حكاية أخيه الأعرج، بدأ فى قص حكاية أخ آخر له اسمه بقبق.
وفي الليلة التاسعة والثلاثون قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت لأخي: قم الآن واجر ورائي وأجري أنا قدامك وإذا أردت شيئاً فاتبعنى فجرت قدامه وتبعها ثم جعلت تدخل من محل إلى محل وتخرج من محل إلى محل آخر وأخي وراءها، فبينما هو كذلك إذ رأى نفسه في وسط زقاق وذلك الزقاق في وسط الجلادين وهم ينادون على الجلود فرآه الناس على تلك الحالة وهو عريان فصاحوا عليه وصاروا يضحكون ويقهقهون، وصار بعضهم يصفعه بالجلود وهو عريان حتى غشي عليه وحملوه على حمار حتى أوصلوه إلى الوالي فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا وقع لنا من بيت الوزير وهو على هذه الحالة، فضربه الوالي مائة سوط وخرجت أنا خلفه وجئت به وأدخلته المدينة سراً ثم رتبت له ما يقتات به فلولا مروءتي ما كنت أحتمل مثله. وأما أخي الثالث فاسمه فقة ساقه القضاء والقدر إلى دار كبيرة، فدق الباب طمعاً أن يكلمه صاحبها فيسأله شيئاً، فقال صاحب الدار: من بالباب؟ فلم يكلمه أحد فسمعه أخي يقول بصوت عال: من هذا؟ فلم يكلمه أخي وسمع مشيه حتى وصل إلى الباب وفتحه فقال: ماتريد؟ قال له أخي: شيئاً لله تعالى فقال له: هل أنت ضرير؟ قال له أخي: نعم فقال له: ناولني يدك فناوله يده فأدخله الدار ولم يزل يصعد به من سلم إلى سلم حتى وصل إلى أعلى السطوح، وأخي يظن أنه يطعمه شيئاً فلما انتهى إلى أعلى مكان، قال لأخي: ما تريد يا ضرير قال: أريد شيئاً لله تعالى فقال له: يفتح الله عليك فقال له أخي: يا هذا أما كنت تقول لي ذلك وأنا في الأسفل فقال له: يا أسفل السفلة لم تسألني شيئاً لله حين سمعت كلامي أول مرة وأنت تدق الباب فقال أخي: هذه الساعة ما تريد أن تصنع بي؟ فقال له: ما عندي شيء حتى أعطيك إياه قال: انزل بي إلى السلالم، فقال لي: الطريق بين يديك فقام أخي واستقبل السلالم وما زال نازلاً حتى بقي بينه وبين الباب عشرون درجة فزلقت رجله فوقع ولم يزل واقعاً منحدراً من السلالم حتى انشج رأسه فخرج وهو لا يدري أين يذهب فلحقه بعض رفقائه العميان فقال له: أي شيء حصل لك في هذا اليوم؟ فحدثهم بما وقع له قال لهم: يا أخوتي أريد أن آخذ شيئاً من الدراهم التي بقيت معنا وأنفق منه على نفسي وكان صاحب الدار مشى خلفه ليعرف حاله فسمع كلامه وأخي لا يدري بأن الرجل يسعى خلفه إلى أن دخل مكانه، ودخل الرجل خلفه وهو لا يشعر به، وقعد أخي ينتظر رفقاءه فلما دخلوا عليه قال لهم: أغلقوا الباب وفتشوا البيت كيلا يكون أحد غريب تبعنا، فلما سمع الرجل كلام أخي قام وتعلق بحبل كان في السقف، فطافوا البيت جميعه فلم يجدوا أحداً، ثم رجعوا وجلسوا إلى جانب أخي أخرجوا الدراهم التي معهم وعدوها فإذا هي عشرة آلاف درهم فتركوها في زاوية البيت وأخذ كل واحد مما زاد عنها ما يحتاج إليه ودفنوا العشرة آلاف درهم في التراب، ثم قدموا بين أيديهم شيئاً من الأكل وقعدوا يأكلون فأحس أخي بصوت غريب في جهته فقال للأصحاب: هل معنا غريب ثم مد يده فتعلقت بيد الرجل صاحب الدار فصاح على رفقائه وقال: هذا غريب فوقعوا فيه ضرباً، وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.