نواصل اليوم، الأحد، الثامن والعشرون من شهر رمضان، سلسلة آية و5 تفسيرات، ونتوقف عند الآية رقم 19 من سورة الحشر وفيها "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".
تفسير الطبرى
القول فى تأويل قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
يقول تعالى ذكره: ولا تكونوا كالذين تركوا أداء حقّ الله الذى أوجبه عليهم (فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) يقول: فأنساهم الله حظوظ أنفسهم من الخيرات.
تفسير القرطبى
قوله تعالى: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون
قوله تعالى: ولا تكونوا كالذين نسوا الله أى تركوا أمره.
فأنساهم أنفسهم أن يعملوا لها خيرا، قاله ابن حبان. وقيل: نسوا حق الله فأنساهم حق أنفسهم، قاله سفيان. وقيل: نسوا الله بترك شكره وتعظيمه. فأنساهم أنفسهم بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضا، حكاه ابن عيسى. وقال سهل بن عبد الله: نسوا الله عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة. ونسب تعالى الفعل إلى نفسه فى أنساهم إذ كان ذلك بسبب أمره ونهيه الذى تركوه. وقيل: معناه وجدهم تاركين أمره ونهيه، كقولك: أحمدت الرجل إذا وجدته محمودا. وقيل: نسوا الله فى الرخاء فأنساهم أنفسهم فى الشدائد.
أولئك هم الفاسقون قال ابن جبير: العاصون. وقال ابن زيد: الكاذبون. وأصل الفسق الخروج، أى الذين خرجوا عن طاعة الله.
تفسير ابن كثير
وقال (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) أي: لا تنسوا ذكر الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التى تنفعكم فى معادكم ، فإن الجزاء من جنس العمل، ولهذا قال: (أولئك هم الفاسقون) أي: الخارجون عن طاعة الله ، الهالكون يوم القيامة ، الخاسرون يوم معادهم ، كما قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) [ المنافقون: 9 ].
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطى ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا حريز بن عثمان ، عن نعيم بن نمحة قال: كان فى خطبة أبى بكر الصديق ، رضى الله عنه: أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم ؟ فمن استطاع أن يقضى الأجل وهو فى عمل الله ، عز وجل ، فليفعل ، ولن تنالوا ذلك إلا بالله ، عز وجل. إن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم ، فنهاكم الله تكونوا أمثالهم: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا فى أيام سلفهم ، وخلوا بالشقوة والسعادة ، أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار ، هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة ، وائتضحوا بسنائه وبيانه ، إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: (إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) [ الأنبياء: 90 ] ، لا خير فى قول لا يراد به وجه الله ، ولا خير فى مال لا ينفق فى سبيل الله ، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه ، ولا خير فيمن يخاف فى الله لومة لائم.
هذا إسناد جيد ، ورجاله كلهم ثقات ، وشيخ حريز بن عثمان ، وهو نعيم بن نمحة ، لا أعرفه بنفى ولا إثبات ، غير أن أبا داود السجستانى قد حكم بأن شيوخ حريز كلهم ثقات. وقد روى لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر ، والله أعلم.
تفسير البغوى
( ولا تكونوا كالذين نسوا الله) تركوا أمر الله (فأنساهم أنفسهم) [ أى حظوظ أنفسهم ] حتى لم يقدموا لها خيرا (أولئك هم الفاسقون)
تفسير السعدى
والحرمان كل الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر، ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها، فلم ينجحوا، ولم يحصلوا على طائل، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها، فصار أمرهم فرطا، فرجعوا بخسارة الدارين، وغبنوا غبنا، لا يمكنهم تداركه، ولا يجبر كسره، لأنهم هم الفاسقون، الذين خرجوا عن طاعة ربهم وأوضعوا فى معاصيه.