21 عاما مرت على رحيل الشيخ محمد متولى الشعراوى، لكن تأثيره لا يزال موجودا بما يؤكد أنه كان "ظاهرة" والظاهرة هى الأمر الذى لا يتكرر بسهولة، لكنها تحتاج ظروفاً معينة ورؤية مغايرة وأدوات مختلفة وشخصية آثرة، قادرة على لفت الانتباه واكتساب قلوب الآخرين.
ولد الشيخ الشعراوى فى 15 أبريل 1911 وتوفى فى 17 يونيو 1998، عمل فى مناصب كثيرة وسافر إلى بلاد متعددة منها المملكة العربية السعودية والجزائر، كما كتب الشعر، وكان له افتتان باللغة، وكان له نشاط سياسى فى مجلس الشورى كما عمل وزيرا للأوقاف، لكن يظل الوجه الأكثر بروزاً صورته على كرسى العلم فى المسجد وحوله طالبو العلم والمستمعون إليه.
وعلينا هنا أن نتجول بالكاميرا على الوجوه والملامح التى تنصت إلى فضيلة الشيخ، سوف تلتقط الكاميرا كل طوائف الشعب المصرى التى تشكل فى النهاية "كلا واحدا".. سوف نرى الفقراء والمغتربين الذين تتعلق وجوههم بكلمات الشيخ المطمئنة التى تقتل فى نفوسهم الجزع والخوف من الفقر، حين يستمعون إلى تأويلات الذكر الحكيم.. وستجد الأغنياء أيضاً الذين يجدون مكاناً لهم فى الرحمة الواسعة التى لا تقتصر على فئة واحدة من الناس، وهنا تتكشف عبقرية الإمام، حيث روض هو الخطاب الدينى النخبوى ووصل به إلى العاديين دون نقص أو إساءة للنص أو للخواطر الإيمانية التى كان الشيخ يملأ بها قلوب المؤمنين.
وعلى هذا يظل الشيخ الشعراوى من الرواد الذين طبقوا نظريات التلقى فى عالمنا العربى، حيث قرأ الجمهور الموجود أمامه وعرف أطيافه وتنوعاته وأدرك أن هناك آليات إعلامية ووسائل تنقل ما يقوله مباشرة إلى ربات البيوت الجالسات أمام التليفزيون، فالموضوع غير قاصر على الذين يجلسون أمامه فقط.
الجزء الأهم أن الإمام الشعراوى انطلق من "الوسطية"، والتى هى من أهم سمات الإسلام، ولأنه يؤمن بأن جزءاً من مفهوم الوسطية يكمن فى القدرة على التعامل مع الجمهور الحاضر والجدال معه مباشرة، وأن الإسلام ليس دين "كهنوتى" لكنه دين "حياة"، لذا استخدم عدداً من الآليات، ومنها اللغة المتراوحة بين العمق والبساطة، واستخدام جسده ويديه فى التعبير، وكذلك نبرات الصوت وغيرها من أدوات التوصيل، والقدرة على تصوير المشهد الذى يتحدث عنه وتقريبه إلى الأذهان، ومشاركة "المستمعين" معه فى الحوار، كأن يطلب منهم أن يكملوا الآية التى يقرأها أو يجعلهم شهداء على أنفسهم معترفين بتقصيرهم.