فى باكورة أعمالها الروائية "سلطانة القاهرة"، التى صدرت بالفرنسيّة عام 2016 وانتقلت حديثًا إلى اللغة العربية عن "دار هاشيت أنطوان – نوفل" بترجمة أدونيس سالم، تعود الكاتبة السورية ديما دروبى إلى الحفر عميقًا فى التاريخ لإعادة إحياء حكاية امرأة استثنائية طواها النسيان، وهى شجر الدر.
وتمزج ديما دروبى بين تاريخ حقيقى وآخر متخيل للبناء السردى لتصير روايتها، إلى جوار سردها لحياة تلك المرأة تأريخا حيا لفترة زمنية تميزت بالمكائد والمؤامرات الداخلية وعصر اتسم بالاضطرابات والانتصارات على السواء.
واختارت ديما دروبى محور روايتها الأيام الأخيرة لشجرة الدر، وهى تعيش توتراتها النفسية، مدخلا لاسترجاع شريط حياتها كاملا.. فتعيدنا الكاتبة إلى الأمكنة الأولى لهذه الشخصية الثرية.
وعبر سرد الكاتبة عن ذات البطلة كـ "امرأة" وليس كـ"سلطانة"، ما مكن من إضاءة زوايا جديدة فى حياة هذه المرأة، وتتوغل الكاتبة داخل نفس السلطانة، لتكشف مواطن ضعفها وقوّتها، وقلقها وطمأنينتها، وهزائمها وانتصاراتها.
وتقوم الرواية حول محور رحلة شجرة الدر التى لم تخل من الإثارة والمكائد والعثرات، منذ كانت طفلة قتل المغول عائلتها وأبادوا قبيلتها كاملة، إلى جارية عند أكبر تجار الرقيق فى مدينة بغداد، لينتهى بها المطاف زوجة للأمير الأيوبى الصالح نجم الدين أيوب وحاكمة للمسلمين بعد وفاته.
منعطفات درامية كبيرة شكلت حياة الجارية الشابة، ما وضعها أمام اختبارات صعبة، بدأت بمحاولة جارية ولى عهد الخليفة العباسى "ورد الورود" فى التخلص من شجرة الدر التى اشتراها الخليفة لولى عهده من أجل انتشاله من سطوتها، كذلك زواجها من الصالح أيوب المنفى إلى شمال البلاد والمعزول عن ولاية عهد والده بفعل مكائد زوجة الأخير التى نصبت ابنها وليا لعهده، الحدث الذى بلور ذكاء هذه المرأة الاستثنائية سياسيًا.
وتخوض شجرة الدر صراعها السياسى والنفسى فى سعيها من أجل إعادة زوجها سلطانا على مصر مرة أخرى، ببراعة وقوة حدس، بعد معارك ونزاعات وتحالفات سياسية وعسكرية، كانت طرفا رئيسيا فيها.
والرواية توضح تأثير الجوارى على أصحاب القرار فى تلك الحقبة.. وكيف ساعد ذلك مكانة شجرة الدر فى تعزيز دورها كعلامة فارقة فى تاريخ النساء المؤثرات فى مجتمعاتهن بشكل عام.
واستطاعت الروائية إحياء هذه المرأة القوية وإرادتها الحديدية دون المس بأنوثتها متبعة نصيحة الكاتبة فاطمة المرنيسى التى كتبت "سلطانات منسيات" وشددت على دور المرأة العربية نفسها فى إحياء ذاكرة النساء الخارجات عن المألوف فى تاريخنا وإيصالها إلى العالم والأجيال الجديدة.
يشار إلى أن نمط الرواية التاريخية يسمح بإحياء الأحداث التاريخية وإمرارها إلى الجمهور بطريقة سلسة، وهى وسيلة لهواة هذا النوع من الروايات لمعايشة أجواء تاريخية خاضها الأبطال بمشاعرهم وقراراتهم.
ولقيت الرواية اهتمام الجمهور الفرنسى ووسائل الإعلام بحكم اطلاعها على دور امرأة مصرية فى القيادة خلافا للفكرة السائدة عند الغرب عن النساء الشرقيات، فخصصت عدة وسائل إعلام فرنسية برامج ثقافية لمناقشة العمل الأدبى الذى ينتصر لقيم لا يعلم الغرب أنها موجودة فى تراثنا.
وعلى غلاف الرواية نقرأ: "طفلة ذات عينين زمردتين اختطفت من السهوب القوقازية، بيعت عبدة لتعيش جارية فى حريم أمير بغداد، فاتنة تشع شغفا وإغراء. امرأة قادت الجيش المصرى وسطرت بجرأتها وبسالتها هزيمة الملك الفرنسى العظيم لويس التاسع. أمة انتهت سلطانة على مصر وسوريا. تبوأت عرش السلطنة. وكرس حكمها سيطرة المماليك على مصر.. تلك هى شجرة الدر التى لا تعرف الخوف ولا تهاب أحدا.