هل اتهم العندليب الأسمر موسيقى سيد درويش بالتخلف؟ كتاب يجيب

تحل اليوم الذكرى الـ 90 على ميلاد العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، الذى شهدت سنوات الخمسينيات من القرن العشرين الصعود السريع للمطرب الكبير عبد الحليم حافظ (1929 – 1977م) من عثرة فشله الفنى الأول والوحيد إلى ذرا الشهرة فى آفاق فن الغناء، وهو صعود لم يلفت الأنظار إليه فى بداياته، عندما سجل فى عام 1951م أول أغنيات بصوته – وعددها أربعة - بطريقة الدوبلاج فى الفيلم الأجنبي "مصباح علاء الدين". كان للمطرب الكبير عبد الحليم حافظ معارك فنية كثير لعل أبرزها عند الناس هو صراعه مع المطرب الكبير فريد الأطرش، ولكن الذى لا يعرفه الكثير أن العندليب الأسمر كان له معركة شهيرة مع الفنان سيد درويش، وقد يتعجب البعض من تلك المعركة كون أن سيد درويش رحل قبل ظهور عبد الحليم حافظ بكثير، ولهذا نسلط الضوء على تلك المعركة. فى كتاب للدكتور نبيل حنفى محمود، تحت عنوان "معارك فنية"، والصادر عن دار الصحفى للنشر والتوزيع، ذكر تفاصيل المعركة تحت عنوان المعركة الثانية "حول مصباح الزيت". ويقول الدكتور نبيل حنفى محمود، لم يحدث أن كتب كاتب خلال تلك السنوات من الخمسينيات مقالا أو خبراً ليهاجم به النجم الصاعد إلى قمة الغناء بسرعة الصاروخ، وإنما كان الحنان والحب والتقدير هم سمة كل ما يكتب أو يذاع عنه، لذلك كان من الغريب أن يصدر عدد السبت 18 يونيه 1960م من صحيفة "الجمهورية" وقد حوت صفحته التاسعة مقالاً للكاتب راجى عنايت ( 1929) يتضمن هجوماً من عبد الحليم على موسيقار الشعب سيد درويش . كتب راجى عنايت في باب "أفكار" وتحت عنوان "رأى غريب" ما يلي: "قال عبد الحليم حافظ (اكتب على لسانى .... سيد درويش أسطورة كاذبة .... موسيقاه كانت شيئاً في زمنه .... أما الآن فموسيقانا التي نقدمها تفوق موسيقاه بمراحل عديدة)، وكانت مناسبة هذا الكلام ما قيل من أن محمد البحر ابن سيد درويش سيرفع قضية على محمد عبد الوهاب (1901-1991م) لأنه صرّح لأحد الصحفيين بأن (الكوكايين) قضى على سيد درويش، بدأ عبد الحليم حديثه مدافعاً عن كلام عبد الوهاب، قائلاً إنه درس هذه الحقيقة في معهد الموسيقى، وأن دفتر محاضراته يضم محاضرة عن سيد درويش ورد ضمنها أن المخدرات قضت عليه، ثم استطرد عبد الحليم فجأة .... قائلاً رأيه في موسيقى سيد درويش مصراً على اعتبارها موسيقى متخلفة بالنسبة لما نسمعه من أغاني هذه الأيام، وأنا أختلف مع عبد الحليم اختلافا تاماً، فالذي أصبح عتيقاً عند سيد درويش، قد يكون التوزيع الموسيقى أو التأدية أو حتى كلمات بعض الأغاني، أما موسيقاه .... فجوهرها مازال متطوراً عن معظم ما نسمعه هذه الأيام، وهمسة في أذن عبد الحليم، اسأل كمال الطويل .... على أي أرض تقف موسيقى (حكاية شعب) ؟!!" الجمهورية: 18/6/1960 م ، ص 9. وأكد كتاب "معارك فنية"، أن مقال راجى عنايت أحدث دوياً بالوسط الفني، وولد شعوراً لدى كل من قرأه أشبه بالصدمة، إذ أصابت الجميع الحيرة، ولم يجد كل من قرأ ذلك المقال سبباً واحداً .... مقنعاً ومنطقياً يدفع بالفتى الرقيق الحالم – كما تبدو صورته في مقالات الصحف وأحاديث الإذاعة – ليتوحش هكذا ويهاجم رائد راحل،!. استفز هجوم عبد الحليم حافظ على سيد درويش مشاعر كل من طالعة آنذاك من قراء، وسرعان ما توالت ردود الفعل على صفحات الصحف والمجلات.... تفنّد ما جاء بمقال راجى عنايت وتندد بما قاله عبد الحليم عن سيد درويش، جاء رد الفعل الأول في مقال قدمه الكاتب المعروف أحمد حمروش (1921 ) تحت عنوان "الذين يظلمون تراثنا الموسيقى"، شغل المقال معظم اليوميات التي كان يقدمها الأستاذ أحمد حمروش في صحيفة "الجمهورية"، وكان مما قاله الأستاذ حمروش في معرض انتقاده لهجوم عبد الحليم على سيد درويش ما يلي: "الأسلوب الذي اختاره عبد الحليم كان بعيداً عن التوفيق، وهو يتنافي تماماً مع الصورة التي يرسمها الناس للمطرب الوديع، الذي يستثير عواطفهم بشخصيته الهادئة، والتي لا تستطيع أن تجرح أو تسيل الدماء، إنه يطلق كلمات قاسية فيها هجوم شخصىّ بعيد عن الموضوعية، على فنان كبير لا يستطيع أن يدافع عن نفسه لأنه توفي منذ عشرات السنين" (الجمهورية: 20/6/1960م، ص10)، ثم يتساءل الأستاذ حمروش عن دوافع عبد الحليم فيقول: "ما الذي دفع عبد الحليم إذن إلى إلقاء هذه الكلمات الجارحة، وما الذي يستفيده من التشهير بالحياة الخاصة لفنان كبير راحل؟، وأشار كتاب معارك فنية للكاتب الدكتور نبيل حنفى محمود، إلى أنه انطلقت الأقلام تهاجم عبد الحليم وتدافع عن سيد درويش، وكان من الطبيعي أن يرد عبد الحليم على ما وجّه إليه من هجوم، فحمل عددا صحفيتي "الجمهورية" و"أخبار اليوم" الصادران في 25/6/1960م ردين مختلفين لعبد الحليم على ما أثاره هجومه على سيد درويش من ردود فعل وانتقادات، ظهر رد عبد الحليم في "الجمهورية" في باب "أحاديث الأسبوع" الذي يقدمه الشاعر الغنائي مأمون الشناوي (1914-1994م) في الصفحة الثانية عشرة، جاء ذلك الرد في سياق إجابات عبد الحليم على أسئلة مأمون الشناوي، وقد أعطى مأمون الشناوي إجابات عبد الحليم على أسئلته عنواناً نصه: "عبد الحليم حافظ يقول: لست ملحناً حتى أحقد على سيد درويش"، حاول عبد الحليم في إجاباته على أسئلة مأمون الشناوي أن يخفف ما تركه هجومه على سيد درويش من صدمة في قلوب الناس، فكان مما قاله في هذا الصدد : "كيف يتهمونى بالحقد على سيد درويش، هل أنا ملحن حتى أحقد عليه، هل عشت في عصر سيد درويش ورفض أن يعترف بى؟، هل كانت حياة سيد درويش حياة ناعمة سهلة تثير الحقد؟، إن حياة سيد درويش كانت مأساة طويلة تستحق العطف والرثاء والبكاء"، هكذا افتتح عبد الحليم حديثه مع مأمون الشناوي وقبل أن يوجه إليه مأمون أسئلته ، وبدا من تلك السطور أنه نادم على ما صرح به قبل ذلك لراجى عنايت، بل إنه حاول أن يصحح ما خلفه حديثه السابق لراجى عنايت من آثار سيئة في نفوس القراء والنقاد، فكان مما قاله لمأمون الشناوي في نفس الحديث المنشور بعدد 25/6/1960م من صحيفة "الجمهورية" الآتي: "إن سيد درويش هو الذي وضع الأساس للموسيقى المصرية الصحيحة بعد أن كانت مجرد بشارف وموشحات تركية"، ولكنه يعود قبل نهاية حديثه مع مأمون الشناوي لحكاية سيد درويش والمخدرات فيقول عنها ملتمساً تخفيف قسوة اتهامه في حديثه الأول: "ولعل سطوة المخّدر التي لجأ إليها سيد درويش هرباً من ظلم الحياة وإغفالها لشأنه هي التي أثرت في عمر حياته وعمر فنه"، وقد نوّه عبد الحليم في نهاية حديثه مع مأمون الشناوي إلى أن ما قاله عن سيد درويش كان من باب الدراسة وليس من باب التشهير. ويقول الكاتب نبيل حنفى محمود، لكن ما قاله عبد الحليم في عدد "أخبار اليوم" الصادر في نفس اليوم – 25/6/1960 م - كان شيئاً مختلفاً، جاءت أقوال عبد الحليم في مقال لجليل البنداري (1917-1968م) حمل عنوان: "عبد الحليم حافظ يقول: سيد درويش اخترع الشموع وعبد الوهاب اخترع الكهرباء!"، صاغ البنداري مقاله في صورة سؤال منه وإجابة من عبد الحليم، تميزت إجابات عبد الحليم في ذلك المقال بالمباشرة والصراحة في هجومه على سيد درويش، ونحى عبد الحليم جانباً محاولاته في عدد نفس اليوم من "الجمهورية" لتخفيف وقع حديثه السابق عن سيد درويش، واستعان بآراء لكتاب آخرين وأفاض في ضرب الأمثلة لتوضيح أسباب هجومه على سيد درويش، بدأ عبد الحليم حديثه مع جليل البنداري بقوله: "نعم أنا قلت أن سيد درويش كان يتعاطى المخدرات والكوكايين .... أنا لست جباناً حتى أنكر رأياً قلته بلسانى!"، ثم يتبع ذلك بتقديم دليله على ما يقول، وقد تمثل هذا الدليل في كتابين .... أحدهما لأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية يدعى محمد إبراهيم والآخر هو كتاب "ذكريات" للسيدة فاطمة اليوسف (1898-1958م)، أخذ عبد الحليم يقرأ لجليل البنداري ما تضمنته بعض صفحات الكتابين من تفاصيل دقيقة عن تعاطي سيد درويش لأنواع كثيرة من المخدرات، ولينتقل بعد ذلك إلى تقييم أعمال سيد درويش فيصفها بأنها قد أضحت قديمة قدم المصباح الذي يعمل بالزيت، وذلك إذا ما قورنت بموسيقى محمد عبد الوهاب والتي تشبه – على حد تعبير عبد الحليم– مصباح الكهرباء!، ولسنا هنا في موقف يسمح بتحليل ما قاله عبد الحليم حافظ عن سيد درويش وموسيقاه، وإنما، ونظراً لطبيعة الفصل الحالي، سوف نعرض هنا لما وقع من أحداث طبقاً لتسلسلها الزمني، ثم ندع محاولات الكشف عن الأسباب الحقيقية والمحركة لأحداث المعركة إلى نهاية هذا الفصل.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;