لم يكن سر تفوق الشعوب ونهضتها يوما ما حكرا على شعب دون آخر، فكل الشعوب المتقدمة عرفت أن أساس نهضتها الحقيقية هو التعليم، وكان الفارق الحاسم بين هذه الدول المتقدمة وغيرها، هو أن حكام هذه الدول قد امتلكوا "صدق الوطنية، المعرفة، الوعى، القدرة على اختيار التعليم أساسا لطريق النهضة"، هذا ما يراه كتاب "التعليم ومستقبل مصر.. رؤية واقعية وخطة عملية" للدكتور وجدى زايد، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب.
ويقول الكتاب إنه أثناء الحرب العالمية الثانية حدث تطور، يكشف لنا العديد من أسرار نهضة التعليم وعلاقتها بالاقتصاد، حدث هذا التطور فى انجلترا، ولم تكن الحرب قد انتهت وعرف من المنتصر ومن المهزوم بعد، أعنى بهذا التطور، قرار إخلاء مجلس التعليم البريطانى لموقعة فى لندن خلال شهر أكتوبر 1940،ليقيم فى فندق بمنطقة منعزلة على قمة جبل، وبعد أيام قليلة من وصول أعضاء المجلس فى أوائل نوفمبر، يقرر "هولمز م.ج" الوزير الدائم، الضرورة القصوى والعاجلة وهى أن يقوم أعضاء المجلس بالتخطيط لإعادة البناء التعليمى بعد الحرب، ويبرر هولمز ذلك بقوله إن"هانك مؤسسات ودول اخرى منشغلة بذلك ويجب أن تكون إنجلترا هى القائد وليست التابع".
ويشير الكاتب أن الغريب أن من بيدهم مقاليد الأمور فى انجلترا لم ينتظروا حتى تنتهى الحرب، والأغرب والأكثر دلالة، هو تلك القضايا التى انشغل بها المجلس وجعلها أساس الإصلاح بوضع العديد من الأسس وطرح على نفسه ثلاثة أسئلة وهى "ما العمر المناسب الذى يمكن للطالب فيه الانتقال من التعليم العام إلى التعليم التكنولوجى والفنى، وما القياسات والاختبارات التى يمكن أن نختار على أساسها من يتجهون إلى التعليم التكنولوجى والفنى، وما الإطار السياسى السليم الذى يناسب ويخدم تطور التعليم التكنولوجى والفنى من خلال مبادرات المجتمع المحلى المتنوعة فى إنجلترا كلها.
ويوضح الكاتب أن هذه الأسئلة التى طرحت تتعلق بالتعليم التكنولوجى والفنى، ومازالت حتى الآن هى نفس القضايا التى تشغل ليس فقط إنجلترا، ولكن أيضا امريكا وألمانيا واليابان وبقية دول العالم المتقدمة فى عالم اليوم، وبينما اخذت بعض الدول ومنها مصر الأمر بسطحية، فأنشأت وبشكل عشوائى بعض المدارس الصناعية والتجارية، كما حدث فى الفترة من "1955 ــ 1965".
ويؤكد الكاتب أن الدول المتقدمة جاهدت حتى تضبط العلاقة بين التعليم العادى والتعليم التكنولوجى والفنى، ففى ضبط هذه العلاقة يكمن سر النهضة، وإذا عرفت مصر إجابات الأسئلة الثلاثة الذى وضعها مجلس التعليم البريطانى، لعرفنا أساس النهضة فى التعليم والاقتصاد معا.
وأشار الكتاب إلى الأبحاث المقارنة عن كليات التكنولوجيا الجامعية، أن ضبط هذه العلاقة، هو الفيصل فى السباق بين الدول الأربع "ألمانيا وأمريكا وإنجلترا واليابان"، ولقد انتهت أبحاث وخبرات هذه الدول من 1880، وحتى الآن حول ضبط العلاقة، إلى قناعة أن الوضع الآمن هو أن يلتحق نحو ثلثى أعداد الطلاب بعد الانتهاء من المرحلة الإعدادية إلى التعليم التكنولوجى والفنى، بينما يلتحق الثلث الأخير إلى التعليم التقليدى أو ما يسميه العام، وهناك دول بالفعل استطاعت أن تقلل هذا الثلث الأخير الذى يذهب للتعليم اعادى، ليصبح أقل من 10 %، وكان ذلك سببا مباشرا لتقدمها السريع، ولحق بهذه النافسة عددا من الدول الأخرى وهى الصين وماليزيا وروسيا وسنغافورة، ونجد أن ألمانيا هى أكثرها نجاحا واستقرارا.
وأضاف الكاتب أن فى مصر أهدرنا قدرات ومهارات الأجيال الناشئة، بعد أن أدخلنا فى التوقيت الخاطىء الملايين منها فى تعليم فنى ومهنى يصنفه المجتمع كتعليم درجة ثانية، يلتحق به من فشل فى الالتحاق بالتعليم التقليدى العادى، كما أننا غافلون وبعيدون تمام عما يجب أن نفعله إذا كنا نريد النهضة حقيقة لمجتمعنا.