تعرضت الكعبة المشرفة على مدار تاريخها العريق للعديد من الوقائع التى كادت تتسبب فى هدمها، وتعرضت الرمز الإسلامى المقدس للعديد من الحوادث التى كنت سببا فى وقوع ضرر مباشر على الكعبة، بعضها كان من البشر، كواقعة الحجاج بن يوسف الثقفى، وبعضها كان من فعل الطبيعة.
ومن هذه الوقائع تلك التى وقعت عام 1039 هـ، عندما سقط الجدار الشامى للكعبة، وجانب من الجدارين الشرقى والغربى وسقطت درجة السطح، وكان ذلك بسبب السيل والمطر.
وبحسب كتاب " أسرار الكعبة المشرفة" للكاتب أحمد حلمى مصطفى، فى الساعة الثانية من صباح يوم الأربعاء التاسع عشر من شعبان سنة 1039هـ، أمطرت الأمطار بمكة المكرمة مطرا عظيما، بل عظيم الثقل، لم ير مثله فى الأزمنة القريبة، واشتد هطوله بين صلاتين الظهر والعصر، ولم يلبث أن تحول إلى ثلوج – برد- وما هى إلا ساعات حتى اندفع الماء داخل البيت الحرام، وملأ غالبه، وباتت الكعبة فى هذه الليلة غريقة، واستمر الحال كذلك إلى ليلة الخميس 20 شعبان، ودخل السيل الكعبة المشرفة من بابها، ووصل إلى نصف جدارها، وبلغ فى الحرم إلى طوق القناديل، ودخل بيوت أهل مكة المكرمة، وأخرج الأمتعة، وذهب بها إلى أسفل مكة، ومات بسبب ذلك داخل المسجد الحرام وخارجه خلق كثير، قيل نحو ألف شخص.
ولما جاء صباح يوم الخميس 20 شعبان، كان سقط الجدار الشامى، وبعض الجدارين الشرقى والغربى، وسقطت درجة السطح، وكان ذلك بعد صلاة عصر ذلك اليوم، فحينئذ وقع الضجيج، ووقع الهلع بين الناس وانخلعت قلوبهم خوفا وحزنا، ومما زاد هلعهم طعم السيل الذى كان ملحا مرا يضرب لونه إلى السواد، فرعوا يقيمون الصلوات، وخرج إليهم أمير مكة مسعود بن إرديس بن حسن، وأمر بفتح سراديب باب إبراهيم ومجارى مياه المسجد الحرام، ففعلوا وخرج الماء منها إلى اسفل مكة المكرمة، وفجأة سقط جدار الكعبة قبيل الغروب ذلك اليوم، فعاد أمير مكة هلعا مرة أخرى، ودخل فى جماعة من الخدم، وأخرجوا كنوز الكعبة وقناديلها الذهبية المرصعة بالجواهر واللآلئ، ووضعوها فى بيت الشيخ جمال الدين الشيبى، خشية ضياعها، وأخرجوا القناديل وقيل كانت عشرين قنديلا من الذهب احدها مرصع باللؤلؤ، وغيرها من المعادن.
ولما وصل نبأ الحدث إلى الخارج، أحدث هياجا شديدا، ورأى محمد على باشا، حاكم مصر آنذاك، ألا ينتظر ورود الأمر السلطانى خوفا من ازياد التصدع فى الكعبة، فأرسل رضوان أغا من حاشية البلاد العثمانى مندوبا من قبله إلى مكة المكرمة، وخوله صلاحية تامة لاتخاذ التدابير المستعجلة، ووصل رضوان باشا مكة ليلة الأحد 26 شوال 1039هـ، وسرعان ما وصلت السفينة غراب بن سويدان، إلى جدة فى 21 ربيع الثانى عام 1040هـ، وبها المواد اللازمة لترميم وبناء الكعبة، وفى يوم الأربعاء 22 ربيع الثانى شرع النجارون، وأحاطوا بسياج من الخشب يطوفون به على قدر حاجبتهم، وبدأ العمل.