تمر اليوم الـ210، على نفي الزعيم الوطني عمر مكرم إلى دمياط بقرار من محمد علي باشا على الرغم من الدور الذي لعبه عمر في وصول محمد علي إلى حكم مصر في عام 1805، إذ غادر الزعيم عمر مكرم إلى منفاه فى مثل هذا اليوم فى 12 أغسطس 1809م.
ورغم العلاقة الكبيرة التى كانت تجمع بين الرجلين، والذى كان سببا رئيسيا فى وصول محمد على إلى سدة حكم مصر العثمانية آنذاك، لكن الخلاف دب بينهم وأشعل نار الغضب بين نقيب الأشراف والوالى العثمانى، فتسبب فى ذلك النفى، فما هو سبب تلك الخلافات.
وبحسب كتاب " محمد على باشا (تاجر التيغ على عرش مصر)" للكاتب نشأت الديهى، فإن الخلاف اشتد بين العلماء فى الوقت الذى عم فيه البلاء والغلاء ونقصت الأغلال ونقص معها إيراد النيل، وعم القحط وبدأ الناس يلجأون للعلماء مستغيثين بهم، لإعفائهم من الضرائب التى أفسدت حياتهم، وبدأ العلماء بدورهم يلجأون إلى الباشا محمد على يطالبونه بالكف عن فرض ضرائب جديدة وتقليل الضرائب القديمة ورفع المظالم، لكن محمد على غضب غضبا شديدا، ونسب إليهم ظلم الأهالى، لأنه حينما أعفى أطيانهم من الضرائب الجديدة كانوا هم مع ذلك يقتضونها من الفلاحين وهددهم بمراجعة من نالهم من هذا الباب، فقبلوا المراجعة، وكان هذه الجدل نذير باشتداد الخلاف بين العلماء والوالى.
يذكر الكتاب أن هذه الأحداث كان له الأثر الأكبر على اتساع الخلاف بين محمد على باشا وعمر مكرم، لأن نقيب الأشراف وقتها، ظل يطالب برفع المظالم، وكان طلبه بعزة وإباء وشموخ، إذ كان يشعر أنه صاحب الحق وصاحب اليد الطولى ومن حقه مخاطبة الباشا بلغة حادة وعنيقة لمصلحة الجماهير والأهالى، فأرسل محمد على إليه ليكى يحضر إلى القلعة للتباحث والتشاور لكن الرجل رفض ورفض إجابة طلبه، قبل أن تتم رفع المظالم أولا، وبدأت الرسل تتوالى بين الباشا والنقيب وكان كلاهما يصر على موقفه وكان العلماء المتصارعون يسعون بينهما بالغيبة والنميمة حتى اتسعت الهوة بين الرجلين.
ويوضح الكاتب أن ضعف الفرقة بين علماء المسلمين ودخول المطامع بينهم أدى ذلك إلى ضعف عزيمتهم، وبدأت قوتهم تتفتت، وبدأت المؤامرات والحيل تحاك ضد النقيب، بعدما كانوا فى البداية يدا واحدة وراء زعيمهم، حتى تم نفيه إلى دمياط لينتهى بذلك دور الزعامة الشعبية فى عصر محمد على.
ويذكر الكتاب أن محمد على استغل ذلك الأحداث لإحداث وقيعة بين العلماء والنقيب عمر مكرم، فبعد أن كانوا يرفضون الاجتماع مع الوالى، تدخل ليؤلبهم على النقيب، وبدأ الحسد والطمع يظهر فى النفوس، ورغم محاولة محمد على إجبار عمر مكرم بالمجئ إليه للتفاوض لكن الأخير يظل يرفض إلا بعد أن يرفع مظالمه، وهو اشتد من حالة الجفاء بينهم وبدأت اللهجة بينهم تشتد، ومع بلوغ حد الأزمة، فقرر الوالى معاقبة النقيب، ولكنه كان يحسب حسابا كبيرا لمكانة السيد عمر مكرم فى نفوس الجمهور، فلم يفكر فى أن يكون العقاب من نوع ما كان مألوفا فى ذلك العصر من القتل أو السجن، بل اعتزم أن يعزله من نقابة الأشراف وينفيه إلى دمياط ليبعده عن القاهرة، حيث كان له من النفوذ ما يجعل أهلها رهن إشارة منه.
وقرر دعوة عمر مكرم فى 9 أغسكس 1809م، للحضور إلى القلعة، لكن النقيب رفض أيضا، فأمر بعزله ونفيه إلى دمياط، وتعيين السيد محمد السادات نقيبا للأشراف بدلا منه، لكن الزعيم عمر مكرم قابل القرار بثبات قائلا: "أما منصب النقابة فإنى راغب عنه زاهد، وليس فيه إلا التعب، وأما النفى فهو غاية مطلوبى".