تعيش الأمة الإسلامية لحظة إيمانية بمناسبة فريضة الحج ، فالملايين من البشر يؤدون الشعائر ويذكرون الله فى أيام محددة فى شهر ذى الحجة والذى هو من الأشهر الحرم.. لكن ما هى الأشهر الحرم؟
والأشهر القمرية كما هو معروف إلى الآن اثنا عشر شهرًا، منها أربعة أشهر حرم تعارف عليها العرب، ثلاث أشهر متواليات هى ذو القعدة، ذو الحجة ومحرّم، وشهر منفصل هو شهر رجب الذى بين جمادى وشعبان، ولقد ارتبطت تلك الأشهر بموسم الحج والعمرة، لذلك فإنّ لتلك الأشهر قدسية ومكانة خاصة، لا يجوز فى أى حال من الأحوال انتهاكها، والغاية من وضعها هو أن يُحرَّم فيها القتال الذى كان شائعًا، فهى أشهر خاصة يستريح فيها الأفراد والقبائل من القتال.
«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ». ومثله فى «صحيح مسلم» برقم /1679/. وسمِّيتْ «حُرُمًا»؛ لتحريم القتال فيها، حيث كانت العربُ تعظِّمهُنَّ وتحرِّمهُنَّ، حتى إنَّ الرَّجل لو لقى قاتل أبيه لم يهجْه.
لكن مع ذلك وجدنا خلافا فى هذه الشهور وأنها متتابعة ومن ذلك مت نجده فى تفسير سورة التوبة عند الشيخ المراغى وغيره والذين يرون أن الأشهر الحرم ذكرت فى قول الله تعالى فى سورة التوبة "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"، وهى الأشهر التى أمْهَل اللهُ تعالى فيها المشركين، ومنع المؤمنين من قتالَهم، وتلك فرصة لهم ليتوبوا من شركهم وينتهوا من حربهم، فإذا انتهت هذه الأشهر، فقد حلَّ قتالُهم، كما قال تعالى: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [براءة:5]، وهى أربعة أشهر مرة واحدة متتابعة، وليس لها علاقة بذات الأشهر المعينة، وإنما ابتدأت بيوم إبلاغهم بها فى الحج إلى تمام هذه المدة، بدليل أنها لم تبدأ من بداية ذى القعدة، فقد بدأت من يوم النحر عشر ذى الحجة؛ حيث أذَّن فيهم أبو بكر رضى الله عنه، ففيها: عشرين يومًا من ذى الحجة، والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، وعشرة أيام من ربيع الآخر، وهى ليست كلها من الحُرم، وقرأها عليهم فى منازلهم، وقال: لا يَحُجَّنَّ بَعد عامنا هذا مشركٌ، ولا يطوفَنَّ بالبيت عُريان.
أي أن الأشهر الأربعة الحرم تبدأ بشهر ذى الحجة، افتتاح موسم الحج، وتستمر بعده متتابعة إلى آخر ربيع الأول، أى هى (ذو الحجة ـ محرم ـ صفر ـ ربيع الأول) وهو رابع الأشهر الحرم، وذلك هو موسم الحج المشار إليه فى قوله تعالى (الحج أشهر معلومات).