"ينبغى ألا نفهم الثقافة فهما جامدا تجريديا ونجعل منها جوهرا ثابتا أزليا لا يتغير يعكس حقائق أو عبقريات جغرافية أو تاريخية أو مناخية أو بيئية أو عرقية كما هو سائد فى أغلب الدراسات المنشورة فى الشرق وفى الغرب وحتى داخل هذه المسألة لا بد من التمييز بين مسائل فرعية عديدة يجب عدم الخلط فيما بينها، منها مسألة التراث أو الإرث الثقافى العربى، ومسألة الهوية والذاتية الجماعية التى تطرح مشاكل عديدة اليوم على الشعوب التابعة، والمسألة الدينية التى تتعلق أساسا بمطالب روحية وميتافيزيقية خاصة المسألة المعرفية المتعلقة بإنتاج المعرف وضبطها وتوزيعها وتعميمها"، هذا ما يراه برهان غليون فى كتابه "اغتيال العقل.. محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية" والصادر عن المركز الثقافى العربى.
والذى يقصده الكاتب بـ"اغتيال العقل" أى قتل العقل بسبب الصراع بين دعاة التحديث ودعاة الأصالة، مما يجعل الحرب الفكرية بنيهم تأخذ شكلا انفعاليا عدوانيا، وتفقد العقل والأخلاق وتغليب منفعة الأمة والوطن، وبهذا يضلون الجماهير،ويستغلهم الساسة فى إحداث حالة من التوازن بين القوى وفى إشغال بعضهم ببعض".
البحث عن الهوية هى الأمر المؤرق الذى يبحث عنه "غليون" فى كتابه، والهوية لديه هى "أن تعرف من أنت وما تريد أن تكون عليه"، وكتاب "اغتيال العقل" يحتوى أربعة أقسام الأول هو "زمن الفتنة" ويعنى به الانقسام العربى فى تشخيص الواقع والنهوض به، والانقسام فى رؤية الذات والآخر، والثانى "زمن النكسة" وهو صراع الكل مع الكل فى البيئات العربية، والثالث "زمن الغربة" وهو ضياع الهوية وسقوط مشروع النهضة بسبب التصارع بين الذاتية العربية فى جناحيها الجناح التقدمى والجناح الأصولى وانفكاك النخبة عن العامة واستغلال المتسيدون لهذا الصراع من أجل بقاء عروشهم ومكاسبهم، والرابع زمن الوعى وهو البصيرة بالواقع وبالذات وحصول التوافق والتكامل بين المجتمع العربى وتحرير العقل من الصراعات وجعله عقلا منتجا مطورا للواقع.
ويرغب برهان غليون من وراء هذا الكتاب إلى أن يتصالح العربى مع نفسه ومع ذويه ثم يحاول النهوض بعمل جماعى يتجاوز الصراعات والاختلافات، لأن بناء الأمة يحتاج إلى كل سواعد الأمة لا إلى قسم يبنى وقسم يهدم.
وحدد "غليون" محنة الثقافة العربية فى أن الفكر العربى والعقل العربى واقع بين داعى السلفية وداعى التبعية وغاب داعى النهضة والتقدم رغم أنهم يرفعون مثل هذا الشعار، وعلاقة العرب بثقافتهم علاقة معقدة وكثيرة التفاصيل والتشعب ومتناقضة أى تارة تؤخذ وتارة تترك على حسب مقتضيات الفكر السائد أو الغالب أو النافع مثل أن تجد من يتحدث عن مفاهيم الإسلام بإطار سلفى ثم يتحول إلى الإطار الحداثى فيتكلم عن الوسطية وقبول الآخر واحترام الخصوصيات.