أعلنت جائزة الأغا خان للعمارة اليوم الخميس من مدينة قازان الروسيّة عن فوز مشروع (إحياء مدينة المحرق) بالجائزة لهذا العام إلى جانب خمسة مشاريع من دول أخرى، والذى بحسب البيان الصحفى للجائزة "يسلّط الضوء على تاريخ صيد اللؤلؤ فى موقع التراث العالمي، وقد بُدء به ضمن سلسلة من مشاريع الترميم وإعادة الاستخدام تطور المشروع لاحقا ليصبح برنامجًا شاملاً يستهدف إعادة توازن التركيبة السكّانية للمدينة، وذلك من خلال إنشاء مساحات عامة، توفير أماكن مجتمعية وثقافية، وتحسين البيئة العامة"، حسبما ذكرت وكالة أنباء البحرين.
وقالت الشيخة مى بنت محمد آل خليفة: "من جديد، تثبت مدينة المحرق أنها جديرة بالمنجز الإنسانى والحضاري، بالأمس كانت عاصمة الثقافة الإسلامية، واليوم تكتسب عنوانًا ثقافيًا جديدا مع فوز مشروع إعادة إحياء منطقة المحرق بجائزة الأغا خان للعمارة".
واضافت: "يعكس هذا الفوز أيضًا العمل المستمر والتعاون الوثيق ما بين المؤسسات الأهلية ممثلة بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث والمؤسسات الحكومية الرسمية ممثلة بهيئة البحرين للثقافة والآثار، فى استعادة الروح الأصيلة لعاصمة البحرين القديمة، المحرق، والزاخرة بمختلف المعالم الثقافية والتاريخية والمتميزة بنسيجها العمرانى الأصيل".
وقالت: "إن فوز مملكة البحرين بواحدة من أهم وأقدم الجوائز المرموقة فى مجال العمارة على الصعيد العالمى يؤكد أهمية الاستثمار فى المقومات الحضارية والثقافية، مشيرة إلى أن ذلك يعد من أهم وسائل صناعة السياحة الثقافية وتحقيق التنمية المستدامة التى ترتقى بالمجتمع المحلى وتجذب الزوار من شتى أنحاء العالم".
وأوضحت الشيخة مى بنت محمد آل خليفة أن العمل على إعادة إحياء التراث الحضارى والعمرانى لمدينة المحرق متواصل عبر إنجاز ما تبقّى من عناصر موقع طريق اللؤلؤ المسجل على قائمة التراث العالمى لمنظمة اليونيسكو وعبر جهود القطاع الأهلى فى المحرق، إضافة إلى إعطاء المحرق مكانتها ودورها فى صناعة الحراك الثقافى وما فيه من ممارسات إبداعية وفنية وأدبية.
وبحسب بيان "الأغا خان"، بدأ المشروع كسلسلة من أعمال الترميم وإعادة الاستخدام التكيفى لعدد من الصروح التابعة لمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، وتطور المشروع ليصبح برنامجًا شاملاً تحتضنه هيئة البحرين للثقافة والآثار بعنوان (مسار صيد اللؤلؤ، شاهد على اقتصاد جزيرة)، الذى أدرج على لائحة التراث العالمى لليونسكو عام 2012م. ويسلط المشروع الضوء على تاريخ صيد اللؤلؤ فى المدينة ويهدف إلى إعادة التوازن بين التركيبة الديموغرافية، وإغراء العائلات المحلية عبر إدخال تحسينات على البيئة وتوفير الأماكن المجتمعية والثقافية. وتساهم الشراكات بين القطاعين العام والخاص فى تسهيل الحفاظ على عدد من المواقع والأبنية، بدءاً من منازل الغواصين المتواضعة إلى مساكن الفناء الرائعة وصولاً للمستودعات التجارية، إضافة إلى ترقية واجهات أخرى، وبناء أربعة مبانٍ جديدة. يتم ربط كل هذه الأشياء عبر مسار الزائر، مع مجموعة من الأراضى الخالية التى تُركت كأماكن عامة نظراً لعمليات الهدم التى طالت الأماكن الطبيعية.
وتتضمن عملية الحفاظ وترميم المبانى التقليدية إعادة أبراج الرياح المفقودة للتحكم فى المناخ الطبيعي، إضافةً إلى ضرورة تطابق المواد المستخدمة مع النسخ الأصلية، ولا سيّما حجر المرجان المعاد استخدامه من الهياكل المهدمة، والخشب. وأصبحت مادة "تيرازو" (المؤلفة من قطع من الرخام أو الغرانيت أو الزجاج والتى تُخلط مع الاسمنت) مشهورةً فى المنطقة فى الأربعينيات من القرن الماضى للأرضيات، وهى تُستخدم على نطاق واسع فى تأثيث الشوارع، وتحتوى على بقايا قواقع المحار. تضفى مصابيح الشوارع البيضاء الكروية الموجودة فوق أعمدة "تيرازو" المزيد من الرمزية المتعلقة باللؤلؤ وتساعد فى تتبع الطريق.
وتحترم المبانى الجديدة نطاق البيئة التاريخية والخطوط الفاصلة بين الشوارع مع إصدار بيانات معمارية جريئة معاصرة يتبنى مركز زوار طريق اللؤلؤ، من خلال توظيفه الخبرات التى تم تطبيقها فى مسار صيد اللؤلؤ ومقر التراث المعماري، عكس الجمال البرى للمنطقة، فى حين تحاكى الأشكال السابقة أبراج الرياح والكتل المرجانية للمبانى المجاورة التقليدية؛ ويتميّز جناح "آثار خضراء" وهو جناح مملكة البحرين الفائز بالجائزة الفضية للعمارة فى إكسبو ميلانو وأعيد بناؤه فى المحرق، بسلسلة من الحدائق المترابطة التى تحتوى على نباتات محلية؛ ومركز دار المحرق (قرب دار جناع) للموسيقى التقليدية حُمِى بطريقة مبتكرة بواسطة ستائر معدنية مثقبة، تقى وهج الشمس وتسمح بالتمتع بنسيم ثابت. تركز الفعاليات الموسيقية التى يتم إقامتها عبر البرنامج على تقديم عروض للأغانى الخاصة بصيادى اللؤلؤ. اليوم، وبعد تصنيفه كموقع للتراث العالمى لليونسكو، تتم مراجعة جميع طلبات التخطيط الجديدة من قبل فريق المشروع للتأكد من أن التطورات الأخرى تتماشى مع الأهداف العامة للمخطط.
يُذكر أن المشاريع الخمسة الفائزة، بالإضافة لمشروع إحياء مدينة المحرق هى (مشروع أركادیا التعليمي)، جنوب كنارشور (بنغلاديش)، وھو عبارة عن ھیكل معیاري، یضم مدرسة تحضیریة، ومكان لسكن الطلاب، ودار حضانة ومركز للتدریب المھني، یأخذ المشروع مقاربة جديدة لموقع نھرى غالبا ما تغمره المیاه لمدة خمسة أشھر من كل عام. وبدلا من تعطیل النظام الإیكولوجى لإنشاء تلة للبناء، ابتكر مھندس العمارة حلا یتمثل فى إنشاء بنیة برمائیة یمكن أن تستند على الأرض أو تطفو على الماء، اعتمادًا على الظروف الموسمیة. و(المتحف الفلسطیني) فى بیرزیت، یتوِّج المتحف تلة مدرجات تطل على البحر الأبيض المتوسط، وھو حاصل على شھادة (الریادة الذھبیة) فى الطاقة والتصمیم البیئى بسبب اعتماده تقنیات البناء المستدامة.
وقد استوحیت الأشكال المتعرجة لعمارة المتحف والحدائق الموجودة فى التلال من الترّاسات الزراعیة المحیطة، ما یؤكد الارتباط بالأرض والتراث الفلسطیني. (برنامج تنمية الأماكن العامة) فى جمهورية تتارستان، وھو برنامج قام حتى الآن بتحسین 328 مكانًا عامًا فى جمیع أنحاء تتارستان. سعى البرنامج الطموح لمواجھة المیول نحو الملكیة الخاصة عبر إعادة تركیز الأولویات على المساحات العامة ذات الجودة العالیة لشعب تتارستان، وقد أصبح الآن نموذجًا فى جمیع أنحاء الاتحاد الروسي. و(مبنى محاضرات جامعة عليون ديوب) فى بامبى السنغال، فرضت ندرة الموارد استخدام استراتیجیات المناخ الحیوي، حیث إن المبنى عبارة عن مظلة سقف مزدوجة وكبیرة تؤمن الحمایة من أشعة الشمس وتسمح بدخول الھواء. وعبر استخدام تقنیات البناء المألوفة محلیًا واتبّاع مبادئ الاستدامة، نجح المشروع فى جعل تكالیف ومتطلبات الصیانة معقولة إلى الحد الأدنى، مع الاستمرار فى إصدار بیان معمارى جريء. و(مركز واسط للأراضى الرطبة) فى الشارقة وھو مركز یساھم فى تحویل الأراضى القاحلة إلى أراضٍ رطبة، ویعمل كمحفز للتنوع البیولوجى والتعلیم البیئي. إضافة لكونه استعاد نظامه البیئى الأصلي، فقد أثبت أیضا أنه مكان متمیزّ یمكّن الزائرین من تقدیر بیئتھم الطبیعیة والتعرف علیھا.
یختلف تفویض جائزة الآغا خان للعمارة عن العدید من جوائز العمارة الأخرى، فھى لا تقوم فقط بتكریم مھندسى العمارة، بل یمتد تكریمھا لیشمل أطرافًا أخرى شاركوا فى المشاریع مثل البلدیات، عمال البناء، أرباب العمل، العملاء، الحرفیین المھرة، والمھندسین، حیث تعتبر أنھم لعبوا جمیعًا أدوارًا مھمة فى إنجاز المشاریع. تم منح جوائز لمشاریع فى جمیع أنحاء العالم، من فرنسا إلى الصین. حصل مھندسو العمارة والمخططون من نیویورك إلى داكا على واحدة من 122 جائزة. خلال عملیة الترشیح، تم توثیق أكثر من 9 آلاف مشروع بناء. قام سمو الآغا خان بتأسیس الجائزة عام 1977، وذلك بھدف تحدید وتشجیع الأفكار الرائدة فى مجال البناء، التى تنجح فى تلبیة احتیاجات وطموحات المجتمعات التى یتواجد المسلمون فیھا بشكل كبیر.
وتقام الاحتفالات للإعلان عن المشاریع الفائزة وتحدید نھایة كل دورة التى تجرى كل ثلاث سنوات دائما فى أماكن یتم اختیارھا نظرًا لأھمیتھا المعماریة والثقافیة للعالم الإسلامي. فى عام 2019، سیقام الاحتفال فى كرملین قازان، روسیا، والذى ھو مسجل على قائمة الیونسكو كموقع للتراث العالمي. شملت الأماكن السابقة، التى استضافت حفل توزیع الجوائز، العدید من الإنجازات المعماریة الأكثر شھرة فى العالم الإسلامي، ومن ضمنھا حدائق شالیمار فى لاھور (1980)، قصر توبكابى فى إسطنبول (1983. (قصر الحمراء فى غرناطة (1998) وضریح الإمبراطور ھمایون فى دلھى (2004(.
أسس سمو الآغا خان جائزة الآغا خان للعمارة فى عام 1977، وذلك بھدف تحدید وتشجیع الأفكار الرائدة فى مجالات البناء، التى تنجح فى تلبیة احتیاجات وطموحات المجتمعات التى یتواجد المسلمون فیھا بشكل كبیر. وتركّز الجائزة على نماذج المشاریع التى تعتمد معاییر جدیدة فى التمیزّ المعمارى فى مجالات التصمیم المعاصر، الإسكان الاجتماعي، تحسین وتطویر المجتمع، ترمیم المواقع التاریخیة، والحفاظ على المساحات والاستفادة منھا، إضافة إلى ھندسة المناظر الطبیعیة وتحسین البیئة.
ومنذ إطلاق الجائزة قبل 42 عاما، فاز بھا 122 مشروعًا فضلاً عن توثیق أكثر من 9 آلاف مشروع بناء، وتعتبر جائزة الآغا خان للعمارة جزءًا من شبكة الآغا خان للتنمیة تقوم الشبكة بتشغیل وإدارة أكثر من ألف برنامج ومؤسسة فى 30 بلدًا ویرجع تاریخ العدید منھا لأكثر من 60 عاما مضت، وبعضھا الآخر لما یزید عن 100 عام.
ویعمل لدى الشبكة أكثر من 80 ألف موظف یتواجد معظمھم فى دول العالم النامي. تصل المیزانیة السنویة لأنشطة التنمیة - غیر الھادفة للربح - لشبكة الآغا خان للتنمیة لنحو 950 ملیون دولار. یقوم صندوق الآغا خان للتنمیة الاقتصادیة، الذراع المسؤول عن تحقیق التنمیة الاقتصادیة، بتولید عائدات سنویة قدرھا 4.3 ملیار دولار، ویعُاد استثمار الفائض الناتج عن شركات المشروع فى مشاریع أخرى للتنمیة، وعادة ما تكون فى المناطق النائیة أو الضعیفة، أو المناطق التى خرجت من مرحلة الصراع.
وسیتم نشر دراسة تتضمن مقالات عن المسائل التى أثارتھا عملیة اختیار لجنة التحكیم العلیا للمشاریع من القائمة المختصرة والفائزین بالجائزة لدورة عام 2019، من قبل (أركى تانجل جیمبه) فى سبتمبر عام 2019 یشتمل الكتاب على شرح ورسوم توضیحیة للمشاریع العشرین فى القائمة المختصرة، بما فى ذلك المشاریع الستة الفائزة.