13 عاما مروا على غياب "النجيب" الأديب العربى الوحيد الذى استطاع على جائزة نوبل فى الآداب لعام 1988، سنوات مرت على الحضور الدائم لصاحب الثلاثية فى القلوب، لا يغيب ولن يغيب بإبداعه.
لم يكن نجيب محفوظ مجرد روائى، لكنه كان له عالم خاص يرسم بكلماته صورا من واقع الحياة، ويجسد لنا مناطق وتاريخ كبير فى القاهرة، استطاع أن يدخل به قلوب البسطاء والمثقفين.
فى مثل هذا اليوم فى 30 أغسطس من عام 2006، رحل عن عالمنا الأديب الكبير نجيب محفوظ، عن عمر ناهز 94 عاما، تاركا خلفه العشرات من الأعمال الأدبية الرفيعة، التى تظل أيقونة من أيقونات الأدب العربى، ولأنه "النجيب" الخالد، كانت له جنازتين، الأولى شعبية والثانية رسمية بحضور رئيس الجمهورية وجميع الوزراء.
الكاتب الكبير محمد سلماوى، أكد فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، الأديب العالم حظى بإقامة جنازتين له، وذلك كونه حاصل على قلادة النيل فيحق له عمل جنازة عسكرية رسمية بحضور رئيس الجمهورية، كما أن الأديب الراحل أبلغ زوجته أنه يريد أن يتم تشيعه من مسجد الحسين بالقاهرة، تلك المنطقة التى شهدت فترة الطفولة والصبا عند صاحب "الثلاثية" وكنت محل إلهام الكثير من أعماله الأدبية العظيمة.
فى كتابه "نجيب محفوظ: المحطة الأخيرة" يروى الكاتب الذى ألقى خطاب الأديب العالمى الراحل أمام لجنة نوبل عام 1988م، تفاصيل إقامة جنازتين.
بعد وفاة "محفوظ" وفى ظل الحزن على فراق عميد الرواية العربية، اتصل الدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق، بـ"سلماوى" من أجل إبلاغه بإقامة جنازة عسكرية يحضرها رئيس الجمهورية وقتها حسنى مبارك، فقام الكاتب الكبير محمد سلماوى، بإبلاغ السيدة "عطية الله" زوجة نجيب محفوظ بأن جنازة عسكرية سوف تقام للأديب العالمى من مسجد أل رشدان بحضور رئيس الجمهورية، فإذا بها تقول له: "كان يود أن يُصلى عليه فى الحسين"، فقال سلماوى بلا تردد "إذن سنصلى عليه فى الحسين أولا" واتصل بعدها بالدكتور زكريا عزمى وأخبره بأنهم سوف يصلون على صاحب "أولاد حارتنا" أولا فى جامع الحسين حسب رغبته، ثم يتوجه بالجثمان إلى مسجد آل رشدان لعمل الجنازة العسكرية له.
بعد عملية الغسل لجثمان الأديب الراحل الذى حضره "سلماوى" بنفسه، توجه الجثمان إلى مسجد الحسين من أجل إقامة الجنازة الشعبية، وفى الداخل قام الحرس بوضع النعش عند منبر الجامع، ودخل شيخ الأزهر الراحل، فضيلة الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوى، ومعه فضيلة المفتى الدكتور على جمعة، والدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف، ودعا فضيلة الإمام الأكبر للفقيد الكبير داعيا الله أن يحشره مع الأنبياء والصديقين فى جنات النعيم، مشيدا بمكانة نجيب محفوظ الأدبية، كما وصفه وزير الأوقاف السابق بأن "محفوظ" بمثابة هرم مصر الرابع لما أضافه للحضارة المصرية المعاصرة من أثر خالد لا ينسى.
ويحكى سلماوى أنه رأى من بعيد المواطنين يحملون لافتات لتوديع الأديب العالمى ينوون أن يشاركوا بها فى جنازته الشعبية، فكتب أحدهم" محفوظ دائما فى القلب.. يابن مصر المحبوب" وكتب آخر: "إلى جنة الخلد يا ابن حارتنا"، وكتب ثالث: "الوداع يا شكسبير العرب".
بعدها تحرك النعش بعد نصف ساعة فقط قضاها فى الحسين، متوجها وأمامه الأوسمة التى حصل عليها، لكن لم يكن بينها ميدالية نوبل التى كانت مفقودة فى منزل الأديب حينها، ولم يكن هناك إلا وسام قلادة النيل وبعد الأوسمة التى حصل عليها من فرنسا وأسبانيا.
وبعد قليل وصلت السيارات السوداء تقل الرئيس الأسبق حسنى مبارك، واتخذ "مبارك" مكانه بين المشيعين، فوقف فى الصف الأول ما بين المشير محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع الأسبق والدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء، ثم خطا الرئيس بقدمه اليمنى فتحرك الموكب الركب من سكونه وبدأت الجنازة، فعزفت الموسيقى العسكرية اللحن الحنائزى، لتودع الأديب إلى مثواه الأخير.