"طقوس الإشارات والتحولات".. عبقرية النص وعشوائية المعالجة

كانت الأزمة الكبرى التى تواجه المسرح فى السنوات الأخيرة هى أزمة النص حسبما يقول صناع المسرح، أو بمعنى أدق عدم وجود نصوص جيدة ومن ثم اللجوء إلى أخرى ضعيفة مقارنة بالقدرات التمثيلية والإمكانيات الفنية الأخرى، مما جعل البعض يتجه لمعالجات فنية عن نصوص مسرحية ذائعة، لكنها أيضا خرجت بشكل مربك وعشوائى، وجاءت الصورة التى تخرج بها هذه المعالجات تشير إلى إنها أزمة فكر وليس أزمة نصوص، وهو ما ينطبق تماما على مسرحية "طقوس الإشارات والتحولات". النص لواحد من كبار كتاب المسرح العربى هو سعد الله ونوس، كما أنه تمت معالجته أكثر من مرة مما يسهل كثيرا فى عملية المعالجة المسرحية، للابتعاد عن أخطاء المعالجات السابقة، مع الوضع فى الاعتبار أيضا أن كثرة هذه المعالجات قد تفقد النص روحه، وهو ما حدث بالفعل فى المعالجة المسرحية لعرض "طقوس الإشارات والتحولات" للمخرج سامح الحضرى، والتى عرضت مؤخرا ضمن مهرجان المسرح القومى على مسرح الجمهورية، من بطولة فرقة الفيوم المسرحية وإنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة، والفائز بأربع جوائز ضمن جوائز المهرجان هى (جائزة لجنة التحكيم الخاصة للمخرج سامح الحضرى، جائزة التمثيل الأولي "نساء" للفنانة جيهان رجب، جائزة لجنة التحكيم الخاصة للأداء المتميز في التمثيل للفنان محمود عبد المعطي، شهادة تميز في التمثيل للفنان حسام خالد) لم يكن على القدر الذى كان يأمله الجمهور من عرض مأخوذ من نص قوى ومتماسك. تدور أحداث العرض في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتحديدًا في عهد الوالي ناشد راشد باشا في سوريا، إذ اشتد الخلاف بين مفتي الشام وكبير الأشراف عبد الله، فحاول الأول إهانة الثاني، بإرسال قائد الدرك (الأمن)، ليضبط الثاني بصحبة إحدى الغواني في منزله، ومن هنا تتصاعد الأحداث ويحدث تغيير جذري في حياة الأبطال وفوضى في المدينة وظهور خفايا النفوس، وإخفاء الرغبات تحت قناع الأخلاق والسلطة. العرض الذى تغيرت معالجته المسرحية فى نهايته عن النص الأصلى، لم يصل إلى جوهر النص الذى ربما كان يقصده "ونوس"، وظهر عشوائيا وسطحيا فى تناوله، فالمؤلف سعد الله ونوس جسد فى نصه المسرحى التحولات التى جرت فى مدينة بأكلمها بعد واقعة ضبط نقيب الأشراف مع غانية ويظهر كم التناقضات التى يمتلكها البشر، حاول توضيح الصراع النفسى الذى قد يعيشه الإنسان بين رغاباته الداخلية وما يقوم به فى منصب أو وظيفة، وكيف أن رجال الدين هم بشر خطائون لهم مشاعر ربما تتناقض مع أقوالهم، كما حاول الوصول لفكرة أن كل إنسان لديه جوهر سامى لا يمكنه أن يلمسه إلا من خلال التجربة، لكن معالجة "سامح الحضرى" للنص جاءت وكأنها صراع بين العشق والسلطة، بين سلطة الدين والسياسة وسلطة الشهوة، وهو ما جعله يخرج بشكل مربك فى أطروحته الفنية للمشاهد. لغة العرض جاءت مزجا ما بين العامية والفصحى، ورغم أن النص الأصلى استخدم بعض المفردات العامية لكنها كانت بحرافية شديدة بالطبع، وكانت مقتصرة على بعض المفردات وليست بالعشوائية التى ظهرت على لسان أبطال العرض، فتجد شخصية مثل "ورد" تتحدث نصف الجملة عامى والآخر فصحى فى خلط عشوائى كبير فى استخدام اللغة، كما ظهر واضحا عدم وجود مراجع لغوى للعرض من كثرة الأخطاء اللغوية. اللافت فى المعالجة التى قدمت أيضا للنص، هو وجود شخصية الراوى الذى استخدمها المخرج فى مشهدين فى بداية العرض ونهايته دون أن يعرف أحد ما هو دورها والفائدة من وجودها فى الأساس من العرض، لأنه لم تكن ذات تأثير أو وجود قوى من الأساس. أكثر الأخطاء التى لفتت أنظار الكثيرين كانت الإضاءة، وكيف خرج الكثير من المشاهد بعدم وضوح لشخصياتها مع اختلاف أدوراهم بسبب عدم توزيع الإضاءة على خشبة بشكل جيد، وظهر أبطال العرض بعيدين عن بؤر الضوء، وكانت دائما ما تبدأ بعد بداية المونولج، كما أن توظيف ألوان الإضاءة كالأحمر والأزرق لم يكن لها دلالة واضحة للأحداث أو الشخصيات، فظهرت وكأنها توزيع إضاءة لأحد الأفراح الشعبية، (مع الوضع فى الاعتبار تجهيزات مسرح الجمهورية الجيدة). المجاميع أيضا ظهرت بشكل عشوائى تماما، حتى أنه فى مشهد استعراضى على الطريقة الصوفية بعد إعلان المفتى فتوى إهدار دم الغوانى كان كل فرد فى المجاميع تائه وكأنهم لم يتدربوا من قبل سويا، وكان بعضهم ينظر للآخر وكأنه جاء لتوه ليقدم الاستعراض، فظهر الاستعراض بشكل غير منضبط المرة. فى النهاية جاءالعرض ضعيفا مقارنة بنص مسرحى جيد يعد من أيقونات المسرح العربى، وربما يبرر بعض هذا الإرتباك الإمكانيات والميزانيات الضعيفة فى عروض قصور الثقافة، والتى ظهرت فى الديكورات الثابتة لأغلب عروضها، لكنها ليس تبرير لضعف المعالجة بالتأكيد، ويبقى الإشارة فقط إلى أن الأداء التمثيلى كانت متفاوت، عدا شخصيتى (المفتى وألماسة) للفنان محمود عبد المعطى والفنان جيهان رجب، حيث ظهرا ضمن إيجابيات فى العرض، بأدائهم المبهر والذى استحقوا عليه جائزة لجنة التحكيم.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;