بعد الصيف يأتى الخريف، حاملا كثيرا من الاعتدال فى الطقس، ومع ذلك فإن البعض يهاجمه ويقلل منه، وقد حظى الفصل بظهور متعدد فى الأدب من ذلك قصيدة فى ليالى الخريف للشاعر العراقى الشهير (بدر شاكر السياب).
فى ليالى الخريف الحزين
حين يطغى على الحنين
كالضباب الثقيل
فى زوايا الطريق
فى زوايا الطريق الطويل
حين أخلو وهذا السكون العميق
توقد الذكريات
بابتساماتك الشاحبات
كل أضواء ذاك الطريق البعيد
حيث كان اللقاء
فى سكون المساء
هل يعود الهوى من جديد؟
عاهدينى إذا عاد.. يا للعذاب
عاهدينى ومرت بقايا رياح
بالوريقات فى حيرة واكتئاب
ثم تهوى حيال السراج الحزين
انتهينا.. أما تذكرين؟
انتهينا.. وجاء الصباح
يسكب النور فوق ارتخاء الشفاه
وانحلال العناق الطويل
أين آلام الرحيل؟
أين لا لست أنساك واحسرتاه؟
**
فى ليالى الخريف
حين أصغى ولا شىء غير الحفيف
ناحلاً كانتحاب السجين
خاف أن يوقظ النائمين
فانتحى فى الظلام
يرقب الأنم النائيات
حجبتها بقايا غمام
فاستبدت به الذكريات
الغناء البعيد البعيد
فى ليالى الحصاد
أوجه النسوة الجائعات
ثم يعلو رنين الحديد
يسلب البائس الرقاد!
فى ليالى الخريف
حين أصغى وقد مات حتى الحفيف
والهواء -
تعزف الأمسيات البعاد
فى اكتئاب يثير البكاء
شهرزاد
فى خيالى فيطغى على الحنين
أين كنا؟! أما تذكرين
أين كنا؟! أما تذكرين المساء؟!
**
فى ليالى الخريف الطوال
آه لو تعلمين
كيف يطغى على الأسى والملال؟!
فى ضلوعى ظلام القبور السجين
فى ضلوعى يصبح الردى
بالتراب الذى كان أمى: غدا
سوف يأتى فلا تقلقى بالنحيب
عالم الموت حيث السكون الرهيب!
سوف أمضى كما جئت واحسرتاه
سوف أمضى وما زال تحت السماء
مستبدون يستنزفون الدماء
سوف أمضى وتبقى عيون الطغاة
تستمد البريق
من جذى كل بيت حريق
والتماع الحراب
فى الصحارى ومن أعين الجائعين
سوف أمضى وتبقى فيا للعذاب!
سوف تحيين بعدى، وتستمتعين
بالهوى من جديد
سوف أنسى وتنسين إلاّ صدى
من نشيد
فى شفاه الضحايا - وإلا الردى