تحمل القهوة فى أحد معانيها اللغويةمعنى "الخمر" فتذكر قَهْوَةُ: الخَمْرُ، والشَّبْعَةُ المُحْكَمَةُ، واللبنُ المَحْضُ، كالقِهَةِ، كعِدَةٍ، والرائِحةُ، وربما ذلك ما عزز الحديث عن تحريم القهوة، لإنها بحسب تعبير البعض تُقهي شاربها عن الطعام، أى تذهب بشهوته، كذلك لأنه تعد أشهر المحفزات الدماغية التى نشربها يوميًا.
وتحتفل عدد من دول العالم منها مصر، فى مثل هذا اليوم 29 سبتمبر باليوم العالمى للقهوة، بعدما وافقت عليه المنظمة الدولية للقهوة وتم إطلاقه فى ميلان لأول مرة، وقد استغل هذا اليوم أيضاً للتشجيع على التجارة العادلة للقهوة و زيادة الوعي حول مشاكل مزارعي البن.
وتذكر عدد من التقارير العالمية، أن معدل استهلاك القهوة عالميًا وصل إلى أكثر من 150 مليون كيسًا كل عام، وهو ما يساوى 10 مليون طن، لكن رغم هذا الشعبية إلا أن القهوة على مدار تاريخها تعرضت لحملات تحريم من أصحاب الديانتى الإسلامية والمسيحية.
ومن بين الطوائف المسيحية التى تحرم القهوة، تعرف طائفة "المورمون" وهي مجموعة دينية وثقافية متعلقة بالمورمونية، وهي ديانة بدأها جوزيف سميث خلال أواسط القرن التاسع عشر تحديدا عام 1820، الغالبية العظمى من المورمون أعضاء في كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة بينما أقلية أعضاء الكنائس المستقلة الأخرى، يعتبر المورمون أنفسهم جزءًا من الديانة المسيحية.
للمورمون عادات وتقاليد بعضها غريب منها الامتناع عن العلاقات الجنسية قبل الزواج، والمشاركة في قيادة الكنيسة، أمسيات الأسرة في المنزل والتبشير. تُحرّمُ كنيسة قديسي الأيام الأخيرة شرب الخمر، وغالبية أتباعها لا يشربون الشاي و القهوة وكل ما يحتوي على الكافيين، كما أنهم لا يدخنون السجائر.
وتذكر عدد من التقارير أن القهوة عرفت فى أوروبا مطلع القرن السابع عشر، وانتشر فى أغلب دول القارة، وكانت ضمن صناعات النبيذ، وهو ما جعل البعض يستقبل المشروب بخوف، وأطلق عليها البعض الآخر "اختراع الشيطان المُر"، وأمام تهديد صناعة النبيذ، فقد ألجأ أحد صانعيه إلى أن يتحالف مع طالب جامعى ليكتب أطروحة عن القهوة، عنوانها: "هل القهوة ضارة لعادات سكان مارسيليا؟» واتهم الشاب القهوة بأنها تحتوى على حبيبات تمتلك طاقة عنيفة تدخل الجسد، وتهاجم الغدد الليمفاوية، وتجفف الكلى، وينتج عن هذا المشروب إرهاقًا عامًا، وشللًا، وضعفًا جنسيًا.
وأدان رجال الدين القهوة عندما وصلت إلى فينسيا في عام 1615، وكان الجدل على القهوة كبيرًا؛ حتى أنه وصل للبابا كليمنت الثامن، الذى تذوق القهوة ليفصل في الخلاف، وبعد أن نالت القهوة إعجابه حصلت القهوة على تأييد بابوى.
وفى الدولة العثمانية، آخر إمبرطوريات الخلافة الإسلامية، وبالتحديد فى إسطنبول في 1633 لم يكن عهد السلطان العثماني مراد الرابع العهد الأول ولا الأخير الذي يشهد تحريم القهوة، لكن جهوده لمنعها كانت الأنجح؛ فبين أوائل القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر. كان السلطان مراد الرابع يعسّ طرق القسطنطينية (إسطنبول حاليًا) من أجل البحث عمن يرتاد بيوت القهوة.
ويذكر الدكتور خالد منتصر فى كتابه " هل هذه حقا بديهيات دينية؟" أن الشيخ عبد الوهاب الشعراوى، أفتى قبل وفاته عام 1572م، بتحريم القهوة، ومن بعدها رفع الشيخ السنباطى ومعه تلاميذه من الأزهر سيف التكفير ضد كل من يشرب القهوة، ووصل الأمر إلى قيامهم بالخروج بعد الصلاة يحطمون المقاهى ويثيرون الشغب فى الشوارع، وأصبح مجرد ذكر كلمة "قهوة" مرتبط بالمنكرات والمسكرات والمحرمات، وتم منع استعمال القهوة والتجاهر بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانينها.
كما يذكر كتاب "هدايا شهرزاد السبعة" للكاتب خيرى حمدان، أن فى العصر المملوكى، وأثناء الحروب الصليبية، اشتهر إخوان مسلمان أطلق عليهما لقب الحكيمين بتأثر على أمير بمكة لمنع وحظر القهوة، وذلك بعد انتشار شربها فى الحرم المكى، واعتقد البعض إنها من الكحول، حتى صدر الأمير قرار حظر القهوة، على أن يصادق عليه السلطان فى القاهرة، وأمر السلطان الغورى حينها بإغلاق كافة المقاهى بالقوة وجلد مروجى القهوة علنا أمام الملأ، وظلت محرمة، حتى صدر مرسوم سلطانى بأن القهوة ليست محرمة فى الإسلام.
ويذكر الكاتب الكبير جمال الغيطانى فى كتابه "ملامح القاهرة فى ألف سنة" أن البعض حرم القهوة لما رأوه فيها من الضرر، وخالفهم آخرون ومنهم المتصوفة عام 1037 هـ، حيث زار القاهرة الرحالة المغربى أبو بكر العياشى ووصف مجالس شرب القهوة فى البيوت، وفى الأماكن المخصصة لها، مشددا على أن فى مطلع القرن العاشر الهجرى حسمت مشكلة تحريم القهوة أو تحليلها، وانتشرت فى القاهرة الأماكن التى تقدمها، وأطلق عليها المقاهى.