يتناول كتاب "مرجعيات العقل الإرهابى: المصادر والأفكار" الصادر عن مركز المسبار فى نهاية عام 2018 بعض المصادر النظرية التى يستند إليها "الجهاديون المتطرفون والتنظيمات الإرهابية والسلفية الجهادية"، لإضفاء المشروعية المزعومة لعنفهم ضد المجتمع والدولة، ساعياً إلى تتبع المسارات التاريخية لنضوج الأيديولوجيات الجهادية على مستوى التنظير والتأصيل والتأثر، على اعتبار أن الفهم العام الذى يحاول تفسير ظاهرة "العنف الإسلاموى" لا بد له من استحضار الرموز والأطر العقائدية التراثية والحديثة، لتحديد القوالب النظرية التى ينهض عليها الخطاب السلفى الجهادى.
واستهل الكتاب دراساته بـ ابن تيمية (1263-1328) الذى تمّ استعادة تراثه مجزأً من قبل الجماعات الإسلامية، ونزعت أفكاره عن سياقها التاريخى المرتبط بمغالبة المد المغولى، وسيادة التتر على محاضن الثقافة الإسلامية آنذاك، هذه الاستعادة جعلت أفكار تطبيق الشريعة والحكم بغير ما أُنزِل وتكفير الحكام وأعوانهم، تقف على خط واحد مع أفكار تكفير المجتمع وتجهيله، وتخلق من الجماعة التى تصدر الأحكام أصلاً متعالياً ينعزل عن المجتمع والحاكم ويتفرّغ لإصدار قرارات التكفير، وما إن تمت عملية الأدلجة باستغلال الظروف السياسية والاجتماعية حتى بدأت رحلة العنف.
ويرى الكتاب أن قيادات الإسلام السياسى الشيعى ليست بمنأى عن التأثير فى الحركات الجهادية المعاصرة، فالطروحات التى قال بها الخمينى (1902-1989) تؤسس للعنف من منطلقين: ثورى وانقلابى، إذ إن الفضاء الأيديولوجى أو المصادر القابعة فى عمق أفكاره تؤكد منابع الاستبدادية السياسية والدينية، والجدير بالذكر أن إيران ترجمت أعمال سيد قطب، وأصدرت طابعاً بريدياً باسم سيد قطب، فإلى أى حد يمكن الحديث عن حلقة وصل بين ابن تيمية والمودودى والبنا وقطب والخمينى على المستوى التنظيرى أولاً، وبوصفهم ملهمى الجهاديين المعاصرين ثانياً؟
يتطرق الكتاب إلى رمز آخر من رموز السلفية الجهادية: أبى قتادة الفلسطينى (عمر محمود عثمان)، محاولاً تحليل المصادر النظرية التى يعتمد عليها لا سيما فى قضايا: الجهاد والخلافة والديمقراطية. يرى أبو قتادة أن الديمقراطية مناقضة للشريعة الإسلامية، لأنها منظومة تنبنى على العلمانية، مكفراً كل من رفع راية الديمقراطية، ناظراً إليها كــــ«راية شركية»، ومتهماً من يؤمن بها بالزندقة. يبدو أن التوظيف السياسى للدين بمثابة الخاصية المشتركة فى التنظيرات والتجارب التاريخية والإسلاموية، ويمكن ملاحظة أثر ابن تومرت فى الإسلام السياسى فى الجزائر وتحديداً الجبهة الإسلامية للإنقاذ.