من الملفات المهمة التى نفذتها مؤسسة مؤمنون بلا حدود ملف "صناعة الفتوى" الذى شارك فيه عدد من الباحثين تحت إشراف بسام الجمل.
يقول الكتاب الذى يشمل الملف، يبدو تعثّر الدولة العربيّة الحاليّة وأزمتها المتصاعدة بداية من السبعينات خاصّة، من العوامل التى تضاعف عجزها عن تمثيل ضمان للاستمراريّة الدينيّة، وهى تؤدّى فى علاقتها بمؤسّسة الإفتاء إلى عودة دورها فعّالاً فى التاريخ، ولئن جرى هذا الدور فى سياق سعى الدولة إلى استمداد الشرعيّة من الدّين، فإنّه يحوّل الفتوى إلى صناعة كاملة تمارسها بعض الدول من أجل الهيمنة بفرض أنموذجها السياسى الدينيّ، وتمارسها أخرى آليّة دفاع إذ تبرهن بها على إسلاميّتها إزاء مساعى تلك الهيمنة.
إلاّ أنّ الأثر العامّ لذلك فى الإفتاء، أنّه يفقده بعده المعرفى والتشريعى والاجتماعيّ، ودوره فى مدّ المجتمعات الإسلاميّة بوسائل صلتها الرمزيّة القارّة والحيويّة لوجودها بتصوّرها لنظام الكون، بل إنّه يصبح أبرز عوامل فكّ تلك الصلة وما ينتج عنها من انفصام عام بين المسلم وواقعه وهو ما يتجلّى فى جميع أصعدة حياته ضمورًا إبداعيًّا، ونبذًا للغيريّة فى مستوياته الدنيا والكونيّة.
سيجد القارئ لهذا الملفّ بحوثًا شتّى ومقالات وترجمات وقراءات فى كتب وحورارت تتغيّى إنارة هذه الظاهرة من كلّ جوانبها وأبعادها: من ناحيتها التعريفيّة والتاريخيّة (الترجمات، حوار عيسى الجابلى مع زهيّة جويرو)، وأدوراها التشريعيّة الدينيّة (مقال عارف العليميّ)، والاجتماعيّة (بحث عمّار بنحمّودة)، وعلاقتها بتمفصلات الدينى والسياسى فى المجال الإسلامى (مقال عبد الباسط الغابري)، ومعضلاتها الدينيّة المعرفيّة (بحث عماد عبد الرزّاق)، ومحدّداتها التاريخيّة الرّاهنة المتحكّمة فيها، وآليّات صناعتها (بحث محمّد سويلمي). وسيجد فى قراءة نادر الحمّامى وعبد الرزّاق القلسى لكتابين فى موضوعها عمليّة تأليفيّة لكلّ هذه النواحى السابقة التى تدرج مؤسّسة الإفتاء وصناعتها داخل الأطر الإيديولوجيّة المتحكّمة فيها.