تعددت الأسباب والموت واحد.. هكذا قال الشاعر ابن نباتة السعدي، وهو بيت شعرى ينطبق على حالة تنوع روايات المؤرخين المعاصرين حول الأسباب التى أدت إلى مقتل السلطان سيف الدين قطز، الذى رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم من عام 1260، ولهذا نستعرض عبر السطور المقبلة العديد من تلك الروايات المختلفة حول أسباب مقتله.
يقول ابن أيبك الدوادارى "وحكى لى والدى عن مخدومه سيف لدين بلبان الدوادار الرومى قال:إن يوم المصاف هربت جماعة من الأمراء من خشداشية الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى، فلما انتصر الإسلام، تنمر عليهم السلطان المظفر ووبخهم، وشتمهم، وتوعدهم، فأضمرا له السوء، وحصلت الوحشة منذ ذلك اليوم، ولم تزل الأحقاد والضغائن تتراءى فى صفحات الوجوه وعمزات العيون، وكل منهم يترقب من صاحبه الفرصة.
أما المؤرخ تقى الدين المقريزى فيقول "إن سبب ذلك أن الأمير ركن الدين بيبرس طلب من السلطان المظفر قطر أن يولية نيابة حلب، فلم يرض، فأضمرها فى نفسه، ليقضى الله أمرًا كان مفعولا".
وأما المؤرخ بيبرس الدوادارى فهو أقربهم إلى الأحداث فيقول :"ذلك أنه "قطز" رحل من دمشق عائد إلى الديار المصرية وفى نفوس البحرية منه ومن أستاذة ما هيها لقتلهما الفارس أقطاى، واستبدادهما بالملك وإلجائهم إلى الهرب والهجاج، والتنقل فى الفجاج، إلى غير ذلك من أنواع الهوان التى قاسوها، والمشقات التى لبسوها، وغنما انحازوا إليه لما تعذر عليهم المقام بالشام، والتناصر على صيانة الإسلام لا لأنهم اخلصوا له الولاء، أو رضو له الاستيلاء".
وقد رجح الدكتور قاسم عبده قاسم، السبب الذى ذكره المؤرخ بيبرس الدوادارى، حسب ما جاء فى كتاب "السلطان سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت" للدكتور على محمد الصلابى، واعتبره السبب الرئيسى لما حدث، فقد كان سيف الدين قطز أكبر مماليك السلطان عز الدين أبيك، وكان من أهم الذين شاركوا فى قتل فارس الدين أقطاى، ومطاردة المماليك البحرية من خشداشية، كما أن البحرية عاشوا سنوات منفيين فى بلاد الشام، ولم يمر عليهم الوقت دون مشكلات وحروب وسجن ومطاردات، ساهم فى بعضها سيف الدين قطز بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن المهم أن نتذكر أن رابطة الخشداشية التى كانت تجمع المماليك، كانت رابطة قوية للغاية، ومن ثم فإن بيبرس ورفاقه من المماليك البحرية كانوا يحملون رغبة الثأر لزمياهم أقطاى من ناحية ولزملائهم الآخرين الذين قتلوا على يد قطز، أو بسببه من ناحية أخرى، فضلا عما نالهم من الهون والمذلة فى منفاهم من ناحية ثالثة.
وقال الدكتور المؤرخ أحمد مختار العبادى، أما أسباب مصرع قطز فلا شك أنها أعمق بكثير من قصة رفضه نيابة حلب لبيبرس، وأن هذا الرفض لم يعد أن يكون سببًا مباشرًا لمقتله عند الحدود المصرية، والواقع أن تلك الأسباب قديمة ترجع إلى أيام السلطان أيبك وتشريده معظم المماليك البحرية الصالحة، وقتله زعيمهم أقطاى، إذ صار المماليك أيبك وهو المعزية ومنهم قطز، أصحاب النفوذ والسلطان فى مصر، واستمر العداء بين المعزية والبحرية قائمًا حتى أغار المغول على مصر، فاضطر المماليك جميعًا إلى الاتحاد بدليل قول العينى إن المماليك البحرية انحازوا إلى قطز المعزى، لما تعذر عليهم المقام بالشام، وللتناصر على صيانة الإسلام لا لأنهم أخلصوا الولاء له، فلما انتصر المماليك على المغول فى عين جالوت، ولم تبق هناك ضرورة للاتحاد، ظهر العداء القديم بين الطائفتين من جديد، وكان من النتائج ذلك مقتل قطز على يد بيبرس.