روائيون وأكاديميون: الكتابة التاريخية المتخيلة خطرعلى التاريخ

تشير الكثير من الشواهد، إلى أن الأدب، الذي هو في أغلبه أمر متخيل، يصبح مع مرور الزمن أحد مصادر كتابة التاريخ ومرجعا من مراجعه، وهذا ما يؤكده تعامل الباحثين مع ما سطره الأديب العربى "الأصفهانى" في مؤلفه "الأغانى"، وما ثبتته السنيما في عقول مشاهديها اثر نقلها لرواية "وا اسلاماه" بشخوصها المتخيلة، وتبديلها اسم المناضلة الشهيرة جميلة بوحرد إلى جميلة بوحريد، وأيضا تبديل ديانة عيسى العوام من مسلم إلى مسيحي، والكثير من الأخطاء التي أزاحت الحقيقة ورسخت كتاريخ .

وفيما يلى يستعرض موقع #إنفراد ما قاله عدد من الروائيين وأساتذة التاريخ فى اجابتهم على السؤال التالى: ما مدى خطورة تحول الكتابة التاريخية المتخيلة إلى مراجع على التاريخ ودارسيه..؟
أكد الروائي ناصر عراق، أن الرواية التاريخية شيء، والتاريخ نفسه شيء آخر، موضحا أن الروائي يتكئ على التاريخ، يستلهم وقائع وأحداثا، ليعيد صياغة ما استوحاه في قالب فني يحتشد برؤى عصرية وأفكار جديدة، وكذلك الروايات التاريخية تثير لعاب عشاق التاريخ للبحث وكتبة الدراسات التاريخة .

أشرف الخمايسى

وبين عراق، فى تصريح خاص لـ"إنفراد"، أن الباحث يغوص في التاريخ ليزيح غبار النسيان عن واقعة أو شخصية أو حدث، حيث يبحر الدراس في خضم التاريخ لينقب ويفتش ويستنبط، وإذا امتلك منهجًا علميًا دقيقا تمكن من ملء الفجوات التاريخية المجهولة، أو أعاد قراءة الوقائع القديمة برؤى جديدة .

وقال عراق، إنه في اعتقادي أن الرواية التاريخية تسهم في أمر بالغ الأهمية، وهو جذب انتباه الناس عمومًا، ودارسي التاريخ خصوصًا إلى مناطق مهمة في التاريخ، الأمر الذي ينعكس على إلقاء المزيد من الضوء على الأزمان الماضية، وما اكتنفها من صراعات وأحلام وطموحات وانتصارات وهزائم، فالروائي يثير شهية الباحث، والباحث يستفز ملكة الروائي، والواقع الاجتماعي يؤرق الاثنين!

وأوضح عراق، "لا يغيب عن فطنة القارئ أن كثيرًا من الروايات العظيمة أسهمت بدور مهم في تنبيه الباحثين إلى المناطق الزمنية التي تعرضت لها هذه الروايات، فأعمال نجيب محفوظ الأولى تناولت مصر القديمة بناسها وملوكها وفراعينها، ولا ريب عندي في أن هذه الروايات أثارت لعاب عشاق التاريخ المصري القديم، وبالمثل تثير البحوث والدراسات التاريخية الجادة الكثير من المبدعين والكتاب، مثلما حدث معي في روايتي (الأزبكية)، فقد لفت انتباهي بشدة كتاب (بونابرت في مصر) وتاريخ الجبرتي" .

من جانبه، قال الروائي أشرف الخمايسي، إنه في ظل مقولة "التاريخ يكتبه المنتصرون"- والمنتصرون غالبا هم الأقوياء الأفاقون- قد تحاول الرواية الانتصار لتاريخ حقيقي تعمد المنتصرون إغفاله، ما يعني أنني، ككاتب رواية، لا أرى أي خطورة محتملة قد تمس التاريخ بسبب الابتداع الروائي، فالمفترض بالقارئ أنه يفهم الفرق الجلي بين الحكايات المختلقة المسماة بالرواية، والوقائع التي كتبت جامدة باعتبارها تسجيلا حقيقيا لما جرى تاريخيا .

د شريف شعبان

وأوضح الخمايسي، فى تصريخ خاص لـ"إنفراد"، أنه ليست هناك مشكلة أبدا في تناول الإبداع للتاريخ بالتفكيك، وإعادة تركيبه، من أجل الحصول على زاوية رؤية جديدة؛ فالإبداع لصيق الحياة، والحياة تعاملات بشرية داخل زمن، والتاريخ جزء ماض من الزمن، وكما يحق للمبدع أن يلعب في الزمن الحاضر بالتفكيك كما شاء، وأن يتصور زمن المستقبل كما يشاء، فيحق له اللعب في التاريخ كما يشاء، مستندا في ذلك إلى رؤية ذكية، وفكرة جديدة، يمكنهما منحي صك البراءة إذا أثارت عملياتي التفكيكية داخل التاريخ جدلا ما .

وأضاف، صاحب رواية "منافى الرب"، إذا كان للكاتب تناول التاريخ بالحق الإبداعي فإن على القارئ الانتباه دائما إلى أنه يقرأ إبداعا روائيا، أي يقرأ تصورات مبتدعة ومختلقة، لا يقرأ كتابا تاريخيا جادا، وطالما هم بشراء الرواية لقراءتها على إنها رواية فليس من حقه محاكمتها على أساس الدقة التاريخية، خاصة وأن التاريخ نفسه ليس دقيقا بالفعل، وكثير مما نقرأه في كتب التاريخ ليس هو ما حدث فعلا.
وعن الكتابة التاريخية للأطفال، قال الخمايسى: "الأمر سيختلف مائة وثمانين درجة، فالكتابة التاريخية للأطفال يجب أن تكون في منتهى الأمانة، لأن الطفل لا يمتلك وعيا مكتملا يمكنه من فهم أغراض العملية الإبداعية، كما أنه كثيرا ما يتعامل مع الخيال على أنه واقع. لذلك وجبت الأمانة التامة في التعامل مع التاريخ داخل عمل إبداعي مكتوب للأطفال، وأقصد تلك الأعمال ذات التوجه التاريخي الصرف".

وقال الدكتور شريف شعبان، روائي ومحاضر تاريخ الفن بكلية الآثار جامعة القاهرة، إن الرواية التاريخية لون هام من ألوان الأدب حيث انه يبرز حقب معينة ويسلط عليها الضوء ويصدرها للقارئ لإبراز أهميتها او باعتبارها مصدر اسقاط سياسي أو اجتماعي .

واضاف شعبان، ينبغي على الروائى الذى يكتب رواية تاريخية أن يكون ملماَ لدرجة وافية بتاريخ الحقبة التي يتناولها في عمله، وفي نفس الوقت لا يمنع تناول فترة تاريخية في عمل أدبي أن يكون للكتاب قدر من الخيال في اختلاق احداث او شخصيات ولكن لا يجب على هامش الخيال الذي يتبعه أن يتعدى ثوابت التاريخ وتغييرها، فالتاريخ بشكل عام يعتبر من أهم الأوعية التي يستقي منها الكتاب اعماله وتاريخ مصر بشكل خاص هو أهم ما نمتلك لذا يجب أن نقدمه للقارئ بشكل منمق محترم نحترم فيه عقلية القارئ ونبجل فيه ماضي الوطن.

د خالد غريب

وأوضح محاضر تاريخ الفن بكلية الآثار، أن هناك بعض القراء، خاصة جيل المراهقين، ممن لا تتاح لهم الفرصة لقراءة مصادر التاريخ، يعتبرن الرواية التاريخية مرجعا تاريخيا لهم، وهو ما يشكل خطورة الرواية التاريخية، فهنا يجب على الكاتب أن يضع تلك النقطة في اعتباره ويجعل في الرواية قدر من المصداقية التاريخية دون المساس بالثوابت.
ووأضاف شعبان: "يتحتم على الكاتب استشارة المتخصصين في مجال التاريخ والحضارة إذا ما تناول عمله حقبة تاريخية ما وقراءة المصادر التاريخية المعتمدة وليس مجرد البحث عبر جوجل أو يوتيوب فأن يثقل الكاتب روايته بأحداث تاريخية موثقة بالهامش أو بنهاية الرواية يعطي لعمله مصداقية لدى القارئ".

وفى نفس السياق، قال الدكتور خالد غريب، أستاذ ورئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بكلية الآثار جامعة القاهرة، إن الإبداع القصصي ينبغي ألا يكون على أحداث تاريخية لأن المبدع يبتكر وهذا شيء خطير على التاريخ .

وأوضح غريب، فى تصريح لـ"إنفراد"، إنه عندما يتم تناول حدثا تاريخيا من خلال عمل روائي فلابد من مراعاة عدة أمور اولها "قراءة جيدة لكل جوانب الحدث، عدم التعامل مع أي نص ديني في موضوع تاريخي حتى لا يتحول الأمر التاريخي الي معضلة دينية، قراءة المصادر المعاصرة للحدث التاريخي لاسيما من خارج بلد الحدث لأن الصورة من الخارج تكون اعم واشمل،وأخيرا مراجعة الحدث مع متخصص" مشيرا إلى أن "هذه الأمور والخطوات لا توقع المؤلف في الخطأ" على حد تعبريره.

وأضاف ورئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بكلية الآثار، قائلا: " لنقارن بعض الأحداث التاريخية في أعمال روائية مثل فيلم المهاجر ليوسف شاهين هو أراد أن يبدع فخرج العمل مشوه فمثلا أراد أن يبعدنا عن "يوسف التقي" فصور الشاب الذي يأتي الي مصر يرفض امرأة العزيز لكنه لم يبتعد عن فتاة اخري، أراد أن يبدع باسم الحب لكن ظلت الصورة العالقة هي "يوسف عليه السلام"، وكذلك فى فيلم الناصر صلاح الدين أراد أن يبدع في علاقة المسلمين بالمسيحيين فصور "عيسي العوام" كمسيحي بينما الكثير من المصادر التاريخية تعاملت أكدت انه مسلم، وكذلك فيلم "وا اسلاماه" فيه مغالطات كبيرة وخطيرة على التاريخ خاصة فيما يتعلق بالحكام.

وأشار د. غريب، إلى الأعمال السنيمائية والابداعية الأجنبية، إن تلك الأعمال تتحكم فيها الإسرائيليات، خاصة إذا ما تناولت موضوعا له جذور تاريخية مثل "الخروج" او تحدثت من خلال "الايجبتومونيا" اي الولع والخرافة .





الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;