عندما جاء الإسلام لم تكن لدى العرب عملة خاصة، كانوا يستخدمون إما الدينار البيزنطي وهو مصنوع من الذهب أو الدرهم الفارسى وهو مصنوع من الفضة، وللحصول على مكانة مميزة فى العالم كان على الإمبراطورية الإسلامية الناشئة أن تحصل على عملتها الخاصة، لأن المعروف أن النقود ليست وسيلة تجارية فقط، لكنها تتجاوز ذلك لتعنى إثبات قوة فى مواجهة الآخرين، لذا فكر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان فى الدينار الإسلامى وعمل عليه بجدية كبرى.
وبالرجوع إلى عدد من الكتب منها "الحضارة الإسلامية .. ثقافة وفن وعمران" لـ عبد السلام كمال، نجد ما يفيد بأن كان سك الخليفة عبد الملك بن مروان، للنقود الإسلامية (الدينار الذهبي والدرهم الفضي) من أهم أحداث التاريخ الإسلامي نظرًا لما ترتب عليه من نتائج بالغة الأهمية اقتصادية وسياسية، محلية وعالمية، بل يمكن القول إن هذا الإنجاز كان إيذانًا بـ"انقلاب" جذري في النظم المالية والاقتصادية التي كانت سائدة في عالم العصور الوسطى.
وقد كان عبد الملك بن مروان أول من عرّب السكة الإسلامية تعريبًا كاملاً حين بدأ بتعريب الدواوين، حيث وجد أن من ضرورات الاستقرار السياسي والاقتصادي، إضفاء الطابع الإسلامي على جميع الميادين الإدارية والمالية.
ويقف كذلك وراء قرار عبد الملك بتعريب العملة، جملة من الأسباب، ولكن السبب المباشر هو ما عُرف تاريخيًّا باسم "مشكلة القراطيس"، أي ورق البردي. وخلاصتها أن مصانع البردي في مصر اعتادت أن تبعث بهذا الورق إلى بيزنطية، وقد كتبت عليه بسملة التثليث (الآب والابن وروح القدس) باللغة اليونانية.
واستمر هذا التقليد قائمًا بعد فتح مصر على يد المسلمين، ولا سيما أن أصحاب هذه المصانع كانوا أقباطًا، وقد يتنبه عبد الملك إلى هذا الأمر، فطلب من عامله على مصر بأن يلغي هذا التقليد، وأن يكتب على البردي: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾. وعندما علم الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني (ت 711م) بذلك، استشاط غضبًا وبعث إلى الخليفة أكثر من مرة يطلب منه سحب قراره. وعندما أدرك الإمبراطور أن عبد الملك مصمم على موقفه، هدّده بأن يصدر دنانير تحمل نقشًا مُهينًا للإسلام والمسلمين. فاستشار الخليفة أصحابه، واتخذ في ضوء ذلك قراره التاريخي بسك الدينار الذهبي الإسلامي، وتحريم تداول الدنانير البيزنطية تحريمًا كاملاً. وبذلك انتزع من جستنيان الورقة التي كان يهدده بها، وقد اشتعلت الحروب بين الفريقين بسبب هذا القرار.
وجاء شكل الدينار الذهبي الإسلامي الذي سكه عبد الملك عام (777هـ) على النحو التالي: نقش على أحد الوجهين "الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد"، ونقش على مدار الوجه نفسه "بسم الله، ضرب هذا الدينار في سنة سبع وسبعين"، أما على الوجه الآخر فقد نقش "لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، ونقش على مداره "محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله”. أما وزن هذا الدينار فقد كان 25،4 جرامًا وهو الوزن الشرعي للدينار. وكانت نسبة الذهب فيه نحو 96%.
وبعد ذلك صار "الدينار الإسلامى" واحدا من العلامات الدالة على الفتوح الإسلامية فى العالم.