يبدو أن أزمة رفض الأديب الكبير صنع الله إبراهيم، جائزة ملتقى الرواية العربية عام 2003، لا تزال تثير الجدل والنقاش حولها رغم مرور ما يقرب من 16 عاما على هذه الواقعة.
نشر الناقد والشاعر شعبان يوسف على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" منشورا تحت عنوان "اعتراف" قال فيه: "عندما رفض صنع الله ابراهيم جائزة ملتقى الرواية، وقلب الدنيا بعد أن واجه سلطة مبارك الطاغية، وقرأ بيانا جادا وحادا وصارما ومكتوبا بعناية فائقة أمام وزير الثقافة شخصيا ولجنته، واختصم السلطة كلها، وانقسم الناس بين رافضين بشدة له ولموقفه ولبيانه جملة وتفصيلا وتزلفا، بل هاجموه بضراوة، وبين مؤيدين له مدحوه بشكل مفرط، واعتبروا موقفه شجاعة مفرطة لم تحدث من قبل".
وتابع "يوسف": "كنت بعدها فى زيارة له فى منزله مع الأصدقاء ابراهيم فتحى ودكتور فتحى أبو العينين رحمهما الله والدكتور صالح سليمان أطال الله فى عمره، لم يدعٌ صنع الله أى بطولة مفرطة، ولم يزهُ بنفسه ويزايد بموقفه على المثقفين، وكان يسرد وقائع الحدث ببساطة نادرة، وقمت بتسجيل ذلك الحديث فى حوار طويل معه نشر آنذاك، وكان من أبرز ما لفت نظرى، أنه لا يطلب من أحد أن يفعل كما فعل، فالناس معذورون بالفعل، ولن يستطيع أحد منهم أن يأخذ ذلك الموقف إلا بعد أن يصل إلى درجة قصوى من الرفض، ودرجة أخرى من القوة والاستقلال ليس متوفرين لكثير من الكتاب والمثففين، وكان صنع الله متفهما ومستوعبا لبعض حالات الخنوع التى وصل إليها بعض المثقفين والكتاب، وأعتقد أنه سوف يندهش كثيرا الآن من حالات الانسحاق التى تتفشى بقوة فى قطاع عريض من المثقفين والكٌتاب والمبدعين والأكاديميين أمام سلطة المال والمصالح العديدة والمناصب، هذا الانسحاق الذى لا يقف عند درجة السكوت عن ما يحدث فقط، بل يصل إلى درجة مدح الفساد والتواطؤ والتماهي معه، والمشاركة فيه، بل المبادرة فى تأسيس مساحات فساد جديدة، والجميع يرى ويسمع ويلاحظ".
وأكد شعبان يوسف: "ربما يمنحنى الله القوة كى اكتب بحرية شبه كاملة، وأكشف بعضا مما أراه ويراه ويعرفه غيرى، وساعتئذ سوف تخاصمني أطراف عديدة، ولا مانع من تسليط جراء صغيرة لتعويقي واختراع قضايا جانبية صغيرة، واعتبارها من الكبائر زورا وكذبا وبهتانا، وعلى مدى تاريخى تعودت على تلك التمارين المشهورة، وربما يهاجمنى أصدقاء أحبهم ويحبوننى، ولكن هذه الخصومات وأشكال الهجوم من زوايا وجهات مختلفة لا ولن تعادل عذابات أى ضمير حى، يرى ويسمع ويشعر، ثم يسكت ولا يستطيع المقاومة، الكيل طفح، والروح بلغت الحلقوم".
ورد الناقد الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، على منشور الناقد والشاعر شعبان يوسف، بمنشور على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" قال فيها: " كتب الصديق شعبان يوسف بوستا هذه بدايته (انظر الصورة)، وقد كتبت عليه تعليقا حذفه، ولهذا أعيد كتابته هنا ".
وتابع "مجاهد": "تعلم يا صديقى أن عبارة (وزير الثقافة ولجنته) عبارة غير دقيقة، لأن من شكل اللجنة هو الدكتور جابر عصفور دون تدخل من الوزير، وأن اللجنة كانت تضم شخصيات سامقة، فقد كان يرأسها الطيب صالح، وتضم من بين من أذكر محمود أمين العالم وفيصل دراج وإبراهيم فتحى، وفريال غزول وسيزا قاسم ومحمد برادة، ولهذا لم يكن غريبا أن تمنح الجائزة لصنع الله إبراهيم بغض النظر عن موقفه السياسى المعارض، وهى لجنة أظنها أكبر من أى تعريض أو غمز ولمز.
وأختتم الدكتور أحمد مجاهد، موضحا: "تشكيل اللجنة دى كان مفروض يدى جائزة الرواية لماركس شخصيا، لولا أن الجائزة كان مقررا أن تمنح لمصري في ذلك العام".
يذكر أن الروائي الكبير صنع الله إبراهيم، رفض تسلم جائزة ملتقى الرواية عام 2003، اعتراضا منه على النظام المصرى فى ذلك الوقت، باعتباره مقيدا للحريات، ويتعامل سياسيا مع إسرائيل.
وتذكر عدد من التقارير الصحفية فى ذلك التوقيت، أنه فور انسحاب صنع الله إبراهيم، توجه الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة آنذاك، إلى المنصة ليلقى كلمة قصيرة، معلنًا أن "الجائزة وسام على صدر النظام، فلو لم يكن يسمح بهذا القدر من الحرية لما قال (إبراهيم) كلمته" واعتذر لأعضاء لجنة التحكيم مشيدًا بجهدهم كى ينتهوا إلى هذا "الاختيار الجيد".
ونقلت الصحف عن الوزير السابق: "هذه الجائزة لم تمنحها له الوزارة ولا الحكومة، وإنما منحتها لجنة من الأدباء العرب ترأسها الأديب السوداني الكبير الطيب صالح، وهى جائزة استحدثناها فى المجلس الأعلى للثقافة للرواية والشعر العربى، انطلاقًا من مكانة مصر ودورها الثقافى، وكان د. جابر عصفور قد أخبرنى قبل الحفل بثلاثة أيام بفوز الأديب صنع الله إبراهيم، فقلت له: لا تخبره حرصًا على عنصر المفاجأة الضرورى لأى جائزة، إلا أنه كان قد أخبره بالفعل".