يتناول كتاب "الحركات الإرهابية فى أفريقيا: الأبعاد والاستراتيجيات" الصادر عن مركز المسبار الحركات الإرهابية فى عدد من الدول الأفريقية، فيسعى إلى تحديد الظروف التاريخية والعوامل الاجتماعية والسياسية والإقليمية المساعدة على ظهورها، مما يسمح بتشكيل فهم أعمق حولها بهدف وضع استراتيجيات قادرة على النفاذ إلى جذور المشكلة الإرهابية، خصوصاً أن الدول الأفريقية ليس لديها رؤية استراتيجية موحدة أو مشتركة لمكافحة الإرهاب.
يقول الكتاب إن "التركة الاستعمارية" فى أفريقيا خلفت وراءها آثاراً سلبية كان لها تداعيات شديدة الخطورة على النسيج الاجتماعى والقبائلى والإثنى، فأصبحت الدول الأفريقية عرضة لاستقبال الحركات المتطرفة نتيجة "الإرث الاستعمارى" دون نفى العوامل الداخلية الأشد تأثيراً فى انتشار التنظيمات الدينية المتطرفة بشقيها الإسلاموى والمسيحى.
لقد بيَّن الكتاب "أن فشل النخب السياسية الأفريقية فى إدارة التنوع والموارد، وبناء الدولة وتحقيق الاندماج الاجتماعي، وتحقيق طموحات الشعوب الأفريقية بعد الاستقلال" فاقم من الإرهاب، فلا بد من وضع خطط تنموية واجتماعية تؤدى إلى تحديث المجتمعات والنهوض بها باتجاه الانسجام العام، وتكريس الثقة بالدولة ومؤسساتها مع ما يتبع ذلك من تطبيق للعدالة الاجتماعية والشفافية السياسية ومحاربة الفساد، ووضع استراتيجيات مشتركة بين الدول المعنية لمحاربة الإرهاب.
وفى هذا السياق تقترح الدراسة الأولى بناء منهج مزدوج "يجمع بين القوة الخشنة والقوة الناعمة؛ أى البحث عن الخيارات الأخرى لتجفيف منابع الإرهاب"، بدل الاكتفاء فقط بالعمليات العسكرية، يرافق ذلك التأسيس لاستراتيجيات أفريقية موحدة وشاملة، على أن "تعكف على ذلك لجنة من الخبراء يشكلها الاتحاد الأفريقي. وأن تشمل جهود اللجنة مقترحات لتوحيد التكوينات العسكرية الإقليمية فى القارة مثل مجموعة حوض بحيرة تشاد ومجموعة الإيكواس".
درس الكتاب "الجماعات الإرهابية" فى عدد من الدول الأفريقية من بينها: جمهورية أفريقيا الوسطى، ونيجيريا، وموزمبيق، والصومال، ومالي، وأوغندا، آخذاً بالاعتبار عوامل النشأة والأيديولوجية ورقعة الأنشطة الإرهابية. وفى المقابل قدم تحليلاً وافياً حول المؤثرات التى تتركها المنظومات القبائلية والاثنية والدينية، سلباً أو إيجاباً، فى مجمل الظاهرة الإرهابية العابرة للحدود، إلى جانب الظروف الإقليمية والدولية.
تعتبر حركتا "إكس سيليكا" الإسلامية و"أنتى بلاكا" (مقاومو المناجل) المسيحية فى جمهورية أفريقيا الوسطى من أكثر الحركات الدينية دموية، وتتبنى الحركتان أيديولوجية دينية متطرفة، فالأولى تأخذ بأكثر الآراء الفقهية الجهادية منزعاً نحو العنف "فترى أن الإسلام شريعة حرب" ولا بد من مقاتلة كل جماعة "كافرة" لا تتوافق مع "قيم الإسلام" وفق خلاصاتها، ومن بينها شنّ العمليات الإرهابية على المسيحيين؛ والثانية توظف آيات من الإنجيل خارج سياقها التاريخى لتبرير أعمال العنف ضد المسلمين. لم تكن الأهداف الأساسية للدراسة التى تطرقت إلى هاتين الحركتين وضع نظرة عامة حول النشأة والأيديولوجيا والعنف المتبادل بينهما فحسب، وإنما محاولة تقديم بانوراما واسعة تشمل المعطيات الداخلية والخارجية المؤثرة، يضاف إليها المبادرات التى تقوم بها دول الجوار للحد من انتشارها والقضاء عليها على الرغم من الانتكاسات التى مُنيت بها.
سلط الكتاب الضوء على الحركات الدينية الإرهابية فى أوغندا والصومال وركز على حركتين: "جيش الرب للمقاومة" و"حركة الشباب المجاهدين" متناولاً نشأتهما التاريخية والأيديولوجية المتطرفة المتبناة من قبلهما ونشاطهما الإرهابى وكيفية مواجهتهما. وفى ما يخص موزمبيق عرضت إحدى الدراسات البعد الدينى للصراع السياسى فى هذه الدولة الأفريقية بالتركيز على المحاور التالية: جذور الصراع السياسى والحرب الأهلية؛ المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية وأثرها على تجدد الصراع؛ البعد الدينى فى الصراع السياسى وتطوره، ومستقبل الصراع السياسى والسيناريوهات المقترحة.
ولا تقل درجة خطورة التنظيمات الجهادية المنتشرة فى مالى عن بقية الدول الأفريقية الأخرى، بالإضافة إلى استنادها للأبعاد الدينية المتطرفة، فهى على علاقة مع تنظيمات إسلاموية أخرى، نذكر -على سبيل المثال- "القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى" التى تُعد امتداداً للجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، و«حركة أنصار الدين» التى تأسست من قبل إياد غالى عام 2011، وكتيبة "المرابطون" التى ولدت عام 2013 من اندماج جماعة «الموقعون بالدم» بزعامة مختار بلمختار، مع «حركة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا». وفى حالة نيجيريا شكلت "بوكو حرام" إحدى النماذج الأكثر عنفاً بين التنظيمات الجهادية فى القارة الأفريقية، وقد عمل الكتاب على الإحاطة بالظروف التاريخية لبروز هذه الجماعة المتطرفة، محدداً النظريات الساعية إلى تفسير نشأتها على مستويات مختلفة، من ضمنها البعدان الاقتصادي/ الاجتماعى والديني.