واحدة من الروايات التاريخية المصنفة فى قائمة أفضل 100 رواية عربية فى القرن الماضى، والتى تحولت إلى مسلسل تليفزيونى شهير يحمل اسمها، كانت رواية الأديب الراحل الكبير جمال الغيطانى "الزينى بركات"، والتى تدور فى فترة حكم الدولة المملوكية فى مصر، حيث عالجت ظاهرة القمع والخوف واتكأت على أسبابها وبينت مظاهرها المرعبة في الحياة العربية.
وشخصية الزينى بركات رغم أنه لم يكن سلطانًا أو أميرًا مملوكيًا شهيرًا أو حتى أحد قادة الجيوش فى عصر المماليك، إلا أنه كان له ذكر تاريخى، حيث ذكر سيرة بركات بن موسى (الزينى بركات)، من شهود العيان، المؤرخ ابن إياس في كتابه الشهير "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، وهى الشخصية التى عالج بها الأديب جمال الغيطانى روايته الشهيرة.
والزيني بركات بن موسى، قاضٍ مصرى، عاش في أوائل القرن العاشر الهجرى، وكان محتسب القاهرة، في أواخر عهد المماليك، وبعد هزيمتهم على يد العثمانيين ظل الزينى بركات في منصبه.
والمحتسب وظيفة وأحيانًا يطلق عليها الحسبة، كانت تقوم بتطوّع من الذين يودّون تطبيق القاعدة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ودون مقابل، أي أنهم يقومون بها احتساباً لوجه الله.
ووفقًا لما جاء فى كتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور" للمؤرخ ابن إياس: "أنه من الحوادث اللطيفة، أن السلطان الغورى أمر بأبطال المشاهرة والمجامعة التى كانت على الحسبة، وأشهر المناداة فى مصر والقاهرة..
وكانت هذه المشاهير من أكبر أسباب الفساد فى حق المسلمين، فإن وسائط السوء حسنوا للسطان عبره بأن يجعل السوقة كل شهر مالا يردونه للمحتسب، فتزايد الأمر إلى أن صار مقررا على السوقة فى كل شهر فوق الألفى دينار ترد للخزائن الشريفة، فكان (الزينى بركات بن موسى) المحتسب يرد كل سنة للخزائن من المشاهرة والمجامعة نحو ستة وسبعين ألف دينار من هذه الجهة وغيرها من الجهات التى متكلم عليها الزينى بركات بن موسى، وكان جماعة من الأمراء الذين بغير أقاطيع محقا له فى كل شهر على الزينى بركات بن موسى بما يتحصل من المشاهرة والمجامعة، فكانت السوقة تجور فى أشعار البضائع ولا يجسر من الناس أحد يكلمهم فيقولون: علينا مال السلطان نورده كل شهر، فاستمر ذلك من أول دولة السلطان إلى الآن، اللهم إلا السلطان إلى إبطال، وفيه وجد مملوك من المماليك مقتولا بباب الوزير، وكان ذلك المملوك من مماليك السلطان من جلبانه، وكان مسارعا، فلا يعلم من قتله، قتنكد السلطان بسببه، وفى ذلك اليوم خلع القاضى بركات بن موسى وقرره ناظر الذخيرة الشريفة، ولم يعد الزينى بركات إلى الحسبة.
ويوضح الكتاب أن الأمير ماماى الصغير هو من تولى الحسبة خلفا الزينى بركات بن موسى، بعد انتقاله إلى استادارية الذخيرة، فكانت مدة إقامة الزينى بركات بن موسى فى الحسبة إحدى عشرة سنة إلا أشهر، وعزل والناس راضية عنه.
وبحسب المؤرخ ابن إياس، كانت الحسبة والولاية فى قديم الزمان من أقل الوظائف وليها جماعة كثيرة من أبناء الناس والفقهاء، ولكن عظم أمر هاتين الوظيفتين فى هذا الزمان إلى الغاية الالا صارتا من أجل الوظائف.
وأكد عدد من الباحثين والمؤرخون أن لقب الزينى أعطاه السلطان الغورى لبركات بن موسى، لكن التاريخ لا يملك أن يقول عن الزيني بركات إنه خدع الجميع ما لم تكن هناك وثائق، مشيرًا إلى أن الأدب يضخم الشخصية خلاف التاريخ الذي يقدم الشخصية كما هي دون أن يقدم لها مبرارات السلوك.