بعد معارك طويلة وقف فيها القائد المسلم صلاح الدين الأيوبى فى وجه طموحات ريتشارد الأول ملك إنجلترا والمعروف تاريخيًا بـ ريتشارد قلب الأسد، قرر القائدان توقيع اتفاقية الرملة، ليبقى بيت المقدس "القدس" تحت الحكم العربى المسلم، على أن تستقبل الحجاج المسيحيين لزيارة مهد المسيح فى العام التالى.
وقع ريتشارد قلب الأسد الاتفاقية، وغادر إلى بلاده، محطما الطموحات وفاقدا لهيبته العسكرية، بعدما تذوق مرارة الهزيمة على يد المسلمين فى القدس، لكن يبدو أن الهزيمة لم تكتف فقط بعودة ملك إنجلترا دون مفاتيح القدس، لكن أيضا حولته من ملك متوج إلى أسير حرب.
وتمر اليوم الذكرى الـ827، على قيام دوق النمسا ليوبولد الخامس بأسر ملك إنجلترا ريتشارد الأول، وسجنه، وهو فى طريقه إلى موطنه فى إنجلترا، وذلك بعد توقيعه لمعاهدة مع صلاح الدين الأيوبى لإنهاء الحملة الصليبية الثالثة، إذ تعرض للسجن فى 20 ديسمبر عام 1192م.
وبحسب كتاب "هذا اليوم فى التاريخ- المجلد الرابع" تأليف نجدة فتحى صفوة، غادر ريتشارد فلسطين عائدا إلى بلاده، وفى الطريق غرقت سفينته فى بحر الأدرياتيك، فقرر العودة إلى بلاده برا، وسافر عبر النمسا متنكرا، فعرفه رجال عدوه اللدود الأمير ليوبلد، وألقوا القبض عليه، واحتجزه ليوبولد وطلب فدية كبيرة لإطلاق سراحه، ويبدو ذلك بسبب اختلافاتهم القديمة على طريقة إدارة الحملة الصليبية الثالثة- وبقى ريتشارد سجينا لمدة سنتين إلى أن أمكن دفع جزء كبير من الفدية المطلوبة، وكان أخو ريتشارد خلال غيابه أعلن العصيان على أخيه، فلما عاد، سامحه على فعلته.
ووفقا لكتاب "سطوة الذهب قصة استبداده بالقلوب والعقول" تأليف بيتر ل. بيرنشتاين، أنه عندما جرى أسر الملك ريتشارد، من قبل دوق النمسا، سنة 1192م، تم بيعه إلى إمبرطور الإمبرطورية الرومانية المقدسة، وتم نقل الفدية التى فرضت على الشعب الإنجليزى، والتى بلغت حوإلى 150.000 ماركا، أى ما يعادل 100 ألف جنيه استرلينى، من بريطانيا إلى القارة الأوروبية بشكل بنسات فضية.
ويوضح كتاب "موسوعة تاريخ أوروبا: الجزء الأول" تأليف مفيد الزيدى، أن ليوبولد احتجز ريتشارد لمدة ثلاثة أشهر فقط، ثم سلمه إلى هنرى السادس إمبرطور ألمانيا، وظل ريتشارد سجينا لدى هنرى رغم مخألفة ذلك لقوانين الحروب الصليبية، وطالب هنرى بألفدية لإطلاق سراحه، وظل فى الأسر حوإلى سنة عجزت فيها إنجلترا عن جمع ألفدية اللازمة لإطلاق سراحه، وأعلن أخوه يوحنا اغتصاب العرش، لكن الأم اليانور ساندت حقوق ريتشارد، وفر يوحنا إلى فرناس، وانضم إلى فيليب أغسطس فى الهجوم على انجلترا، وفى مارس عام 1194م، أطلق سراح ريتشارد، فعاد إلى انجلترا، وحارب فيليب، ونجح فى استرداد ملكه بعد حرب دامت خمس سنوات، حتى مات فى مارس عام 1199م.