تمر اليوم ذكرى رحيل الشاعر العربى الكبير "بدر شاكر السياب" (1926- 1964) والذى كانت حياته كلها خليطا من الفن الشعرى والألم الجسدي.
يقول كتاب "بدر شاكر السياب" لـ إحسان عباس "وقد كان من شقاء بدر الذى ورث الضعف الجسمانى عن أبيه أن أنفق حياته القصيرة منذ أدرك الحلم إلى أن مات، وهو يبحث عن القلب الذى يخفق بحبه، دون أن يجده، وكان افتقاره إلى الوسامة هو القفل المصمت على القلوب العديدة التى حاول أن يفتحها، وكم استأنس بومضة عين، ونسج من شعاعها قصة حب يخدر بها أخفافه، ولكنه فى قرارة نفسه واعيا بأن الحب فى كل مرة كان من جانب واحد.
ومما قاله بدر شاكر السياب فى الحب:
ثلاثون انقضت وكبرت، كم حب وكم وجد
توهج فى فؤادي،
غير أنى كلما صفقت يدا الرعد
مددت الطرف أرقب ربما ائتلق الشناشيل
فأبصرت ابنة الجلبى مقبلة إلى وعدي
ويسأل إحسان عباس، لكن ابنة الجلبى لم تطل ولم تقبل، ترى أكان للجلبى ابنه أم أن أحلام بدر خلقتها دمية تعبد دون أن ترى؟
بينما تقول مقالة بعنوان "بدر شاكر السياب وعقدة النساء) وردت فى مجلة نزوى:
"والراجح أن هزالة جسم السياب انعكست على بعض مواقفه، فلما كتب نصوص كتب "كنت شيوعياً" (صدرت فى كتاب عن دار الجمل) ونشرها فى إحدى الصحف العراقية، لم يتردد فى التطرق إلى العلاقات الشيوعية والنساء ووصفها بطريقة سخيفة تبرز عقدته النفسية من كل شخص له علاقة حب مع امرأة، كأن الشاعر فى الحب يجعله يلقى الاتهامات على الآخرين جزافًا، لم ينتبه السياب أنّه كان يقول:
يا ليتنى أصبحتُ ديوانى
لأفرّ من حضنٍ إلى ثانى
قد بتُّ من حسدٍ أقول له
ياليتَ من تهواك تهوانى
ويقول «خصوم» السياب إن ماهية هذا البيت معروفة، اذ كان ديوان السياب يتنقل من فتاة إلى فتاة فى معهد المعلمين حيث كان صاحب "أنشودة المطر" طالباً، وهو لم يستطع البوح لإحدهنّ بأنه هو السياب بشخصه الجالس أمامها، حين أعطت رأيها إعجاباً بالديوان، لأنه كان ضعيفاً وعديم الثقة بنفسه أمام النساء.
وقد كان جذر هذا الحضور المأزوم للمرأة هو انطلاقته الأولى يتيم الأم منذ الرابعة من عمره وزواج أبيه المبكر، إذ يقول: أبى منه قد جردتنى النساء/ وأمى طواها الردى المعجل.
ومن ثم كانت الصدمة المكررة بوفاة جدته أيضا التى ربّته بعد أمه وهو فى عمر الثامنة عشرة تقريباً. فخرج السياب إلى ميدان الحياة والشعر وهو يحمل علامة نفسية فارقة ألا وهى احتياجه للمرأة كتعويض وكقصيدة وهى التى "تأتى ولا تأتى" لأن هناك دائما حاجزاً أو فاصلاً ما عمرياً وجمالياً وعجزياً بسبب المرض الكامن فى الجسد أو وهمياً بانتظار «المرأة الحلم» ولكن كل هذه النساء، نساء الوهم والخيال كان لهن حاضنة نفسية فى ذات الشاعر يستدعيها الشعر.