يظل الكاتب الأمريكى جى. دى. سالنجر، علامة فارقة فى تاريخ الأدب العالمى والأمريكى، فبعد كتابته رواية "الحارس فى حقل الشوفان" حققت نجاحا كبيرا لم يكن متوقعا، لكن المفاجأة أنه لم ينشر بعدها أية رواية.
تغطى روايته «الحارس فى حقل الشوفان" التى لم يكتب غيرها بضعة أيام من حياة بطلها هولدن كولفيلد البالغ من العمر ستة عشر عاما. وتبدأ القصة عند طرد هولدن من المدرسة قبل عطلة الميلاد من نهاية عام 1940 وذلك لرسوبه فى امتحانات الفصل الأول، ومنذ البداية يتضح للقاريء التشتت الفكرى والعاطفى الذى يعيشه هولدن والصراع الداخلى الذى يهيمن على سلوكه.
وعلى موقع good reads كتب حساب باسم Islam's تحت عنوان (كلنا هولدن كولفيلد، أو زيف المجتمع، مجتمع الزيف) "قبل أن أقرأ هذه الرواية تكوّن لدى عنها صورة أسطورية كعمل بيع منه 65 مليون نسخة منذ طبعته الأولى عام 1951 حتى الآن و تصنيفه كإنجيل لجيل الغاضبين و الساخطين فى أمريكا.. كما أن المنفى الاختيارى الذى اختاره المؤلف " جيروم ديفيد سالنجر" لينزوى فيه بعيدا عن المدينة فى بيئة ريفية حتى مماته هذا العام وامتناعه عن نشر أى مخطوطاته الذى سطرها فى عزلته.. ومنعه تحويل روايته لعمل سينمائى طالما هو على قيد الحياة، كل ذلك إضافة إلى أن نسخة كتابه كانت بحوزة قاتل مغنى البيتلز الشهير "جون لينون" وتصريحه بأنها كانت حجته فى القتل، كل ذلك أضاف للعمل بعدا أسطوريا، و انتظرت أن تكون الرواية قد صيغت بأسلوب سرد مركب و بأسلوب تغلب عليه الصيغة الفلسفية أو عمل يسمى بالأساس كتاب أفكار تتخذها الأجيال كمانشيتات و مبادئ تسير عليها، لكنى وجدت العمل قد كتب ببساطة وفى نفس الوقت بعمق لم أكن أتوقع أن تأتى بهذا الشكل.
بداية الرواية بضمير المتكلم، يحاول الراوى خلق صديق افتراضى يتحدث إليه بين حين وآخر، ومن الممكن أن يكون أنا أو أنت أو انتِ، كأنه بذلك يحاول كسر حاجز الوحدة والعزلة التى فرضت عليه أو فرضها على نفسه جرّاء سخطه و نقمته على المجتمع.
الرواية تتخللها شتائم آتية من فتى مراهق، ربما لم تمر صفحة إلا وحلاّها بشتيمة له أو لغيره، كاسرا بها حاجز المجتمع المثالى المحافظ، ليقول إننا رغم ذلك لم نكن أبدا مثاليين، ربما ندعى المثالية و من الادعاء يتخلق الزيف كقنبلة عنقودية.
فتى مراهق يرسب فى مدرسته ويتنقل من مدرسة لأخرى، ولا يجد غير الزيف فى زملائه العاطلين عن أى موهبة والحمقى الذين يحاولون استعراض مواهبهم فى علاقات عاطفية فاشلة وتفوقهم فى مواد دراسية مملة وغير جديرة بالنفع تبعث على الغثيان، ومدرسين يدّعون الحكمة وتتجمد عقولهم على تفاصيل موادهم الدراسية الذين يدرسونها بميكانيكية بغيضة، آه نعم كذلك فى الشارع والفنادق التى ارتادها مهجورا من المجتمع بإرادته والفتيات اللاتى صاحبهن فى المسارح أو السينمات أو سائقى التاكسيات، كلهم يضعون موادا تجميلية على وجوههم، ويضعون أقنعة تخفى باطنهم الحقيقى والمزيف، يفتعلون السعادة و يرصعون حياتهم بلآلئ التقوى واتباع الرب فى جميع خطواتهم حتى لو لم يكونوا متدينين أصلا.
لم يكن سخطه أبدا مكتملا، خرج من دائرة السخط أخته الصغيرة فيب وأخوه المتوفى صغيرا "آلى" كبراءة تتبدّى فى الطفولة التى لم تتدنس بعد و لم تظهر عليها أعراض الحضارة، كانت مقاطع شاعرية جدا وحيوية و مليئة بالعاطفة الفياضة عندما يتحدث عن أخته فيب وأخيه آلى الذى مات صغيرا، كأنه هو العالم الذى يريده والذى كان يريد أن يهرب إليه عند حافة المدينة يعمل أى عمل، كعامل بنزين مثلا، مدعيا أنه أخرس و أبكم، حتى يوفر عليه الكلمات الزائفة التى تصدر عن الزبائن أو الجيران، لكنه تنازل عن حلمه فى النهاية لصالح أخته التى كانت تريد أن تهرب معه، رضى بما هو واقع، و انخرط فى عداد حضارة الأرقام، كلنا مجرد رقم فى بطاقة فى ملف فى أجهزة حكومية عتيقة تتحكم بمصائرنا، الرقم جاء الرقم راح، الرقم عليه العوض.