عرف المسلمون الصلاة بشكلها الحالى بعد رحلة الإسراء والمعراج، يقول كتاب "فتح البارى" لابن رجب، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا".. لكن السؤال الذى يطرح نفسه كيف كان المسلمون يتعبدون قبل فرض هذه الصلاة؟
روى الإمامان البخارى ومسلم عن أنس بن مالك، رضى الله عنه، حديث الإسراء المشهور، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَى خَمْسِينَ صَلَاةً فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً . قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ ... قَالَ : فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً".
رأى أول
يذهب إلى أن فرض الأمر بالصلاة وقع مباشرة مع لحظة نزول الوحى على محمد فى غار حراء حيث كان ينقطع للعبادة قبل الإسلام.
يروى ابن اسحق أن "الصلاة حين افترضت على رسول الله أتاه جبريل وهو بأعلى مكة، فهمز له بعقبه فى ناحية الوادي، فانفجرت منه عين، فتوضأ جبريل ورسول الله ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ كما رأى جبريل، وقام به جبريل فصلى به، ثم انصرف جبريل فجاء رسول الله خديجة، فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة، كما أراه جبريل فتوضأت، ثم صلى بها، كما صلى به جبريل، فصلت بصلاته". وهذه الرواية تخالف النص القرآنى فى شقها الخاص بالوضوء، والذى نزلت آياته فى سورة المائدة وحدّدت شكل الوضوء والطهارة عند الصلاة، بنصها على أنه "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين". فهذه السورة نزلت فى المدينة بعد هجرة الرسول.
رأى آخر
يقول ابن حجر الهيتمى فى كتابه "تحفة المحتاج لشرح المنهاج" إنه "لم يكلف الناس إلا بالتوحيد فقط، ثم فرض عليهم من الصلاة ما نزل فى سورة المزمل"، أى ما كان يقوم به النبى محمد فقط من صلوات قيام الليل والذى خففه بعد حين القرآن عنه بقيام نصف الليل.