نسمع دائما كلمة "المرتزقة" وهم أولئك الذين يبيعون أنفسهم لمن يدفع أكثر، يكون ولاؤهم الوحيد لـ المال فقط لا غير، يسفكون الدماء طالما هناك راتب يدفع وأموال تقبض، ويذكرنا ذلك بما تحاول تركيا أن تقوم به في ليبيا، إنه ستلعب دور "المرتزقة" أيضا وتذهب إلى ليبيا للحرب لصالح من يدفع لها.
وقد ورد تعريف المرتزقة فى الملحق الأول الإضافى "المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة" إلى اتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949، وهى أول اتفاقية دولية تتناول بالتحديد موضوع المرتزقة، بأن "المرتزق" هو أى شخص يجرى تجنيده خصيصًا - محليًا أو فى الخارج - ليقاتل فى نزاع مسلح أو يشارك فعلاً ومباشرة فى الأعمال العدائية.
المرتزقة فى تاريخ الفراعنة
وعرف التاريخ ظهور المرتزقة بشكل موثق فى مصر القديمة تقريبًا عام 2500 ق.م، وذلك عندما تم اكتشاف "رسائل العمارنة"، وهى عبارة عن مجموعة كبيرة من الرُقم الطينية المكتوبة باللغة الأكادية "البابلية" والخط المسمارى التى وجدت فى أرشيف قصر الملك المصرى إخناتون (أمنحوتب الرابع) فى مقر حكمه (أخت أتون) تل العمارنة فى مصر.
وأطلق المصريون القدماء على مجموعة المرتزقة فى ذلك الزمان اسمه "هابيرو" باللغة الأكادية، الذين تم وصفهم على أنهم مجموعة من الآسيويين يتجولون فى بلاد الشام بحثًا عن الرزق فى أى مصلحة كانت، شأنهم فى ذلك شأن العبرانيين.
وكلمة "هابيرو" مرتبطة بكلمة "هابتو" الأكادية التى تعنى "النهب" أو "السرق"، وقصدوا بهذه الكلمة المجموعة الصغيرة من الجنود المتجولين الذين يعملون كمرتزقة محليين، ويبدو أن هذا المصطلح بات متداولًا بين الشعوب القديمة، فهو مكتوب فى النصوص الحثية القديمة وكذلك النصوص القديمة الموجودة فى الأناضول.
المرتزقة عند اليونان
وتوسع الرومان في تجنيد العاطلين عن العمل واستقطاب الراغبين في تأجير جهدهم ورغبتهم في القتال، حتى أصبحت لديهم جيوش كاملة من المرتزقة، وظفوها في دحر أعدائهم وتوسيع أرجاء إمبراطوريتهم. وقد كافأ الرومان المرتزقة على جهدهم هذا بسن قانون يسمح بمنح الجنسية الرومانية لكل غريب يرتدي البزة العسكرية وينخرط في صفوف جيوشهم.
المرتزقة فى الدولة العثمانية
يقول المؤرخ (ابن زنبل الرمال) فيما كتبه عن (غزوة العثمانين لمصر)، السلطان سليم كان له أخ أكبر منه يسمى السلطان أحمد وكان حاكم برصه، وكان أخوه قورقود حاكم المغنسيا، والسلطان سليم قبل أن يتسلطن كان حاكم طرابزان، ولكنه كان ذا همة عالية فى طلب الملك والرياسة على أخوته، فألهمه الله تعالى زواج ابنة ملك التتار خان ليكون ظهرا له، فتزوجها، ثم تجرد بعد ذلك وأخذ الملك من أبيه، لما سمع من الجواسيس الذين كانت تأتيه بالأخبار بأن أباه السلطان بايزيد ضعيف على موت، وأنه أرسل لولده أحمد يحضره ليقلده الملك من بعده، فخاف أحمد من أخيه سليم لما يعلم من طلبه الملك لنفيه، فتأخر عن المجيء فجرد سليم العساكر على أبيه.
فبما سمع عن أبيه ذلك أخذته الغيرة، وأمر بالخروج لملاقاته، فخرجت العساكر، ووقع الحرب بين الفريقين، فكانت الكسرة على سليم، فانهزم، وأخذت زردخانته بجملتها، فهرب إلى الكوفة، فدخل عند رجل يقال له "كمال أغا" وهو زردار القلعة، فأضافه ومكث عنده عدة أيام.
فشكا له السلطان سليم مما جرى له، وما ذهب منه من المال والرجال وهو متحير فى أمره، وقد قصد أخذ الملك من أبيه قبل أن يعطيه لأخيه أحمد، فلم يصح له ذلك. فقال له كمال أغا: عندنا من مال أبيك شيء كثير متحصل، وكنا نريد أن نرسله له، فخذه وتقو به.
ففعل كما قال له كمال أغا، وجمع له عسكرا وجمع له عسكرا أكثر من الأول، وكان السلطان سليم لا يتوقف فى جمع العسكر، لا على رومى ولا على عجمي، بل كل من اختار أن يكون من عسكره قبله، ويعطيه الجامكية ويجعله من عسكره.
فجمع عسكرا كثيرا وجرد على أبيه ثانيا، يردى القسطنطينية، وكانت عساكر أببيه كلهم مالوا إلى السلطان سليم لما يعلمون من علو همته.
فلما وصل الخبر إلى السلطان بايزيد بأن ولدك سليما جرد عليك ثانيا أمر العسكر بالخروج لقتال ولده، فلم يطعه أحد من عسكره، فجاء السلطان سليم إلى أن وصل مدفن أبى أيوب الأنصارى فدخل الوزير الأعظم وكان إذ ذاك فرهاد باشا على السلطان بايزيد، وأخبره بذلك، وأعلمه بأن العساكر كلها مالت إلى السلطان سليم وبغضوك لما يعلمون من تعففك والعصمة المملوكية، وأنت تعرف ما يترتب على ذلك، فأمر السلطان بايزيد أن يقول لهم: السلطان يولى عليكم ولده أحمد.
فأبوا ذلك وقالوا: ما نريد إلا سليما، كلمة واحدة، فخرج السلطان بايزيد يريد الكوفة بماله وعياله، وأن يقيم هناك إلى أن يموت.
ودخل السلطان سليم إلى القسطنطينية، فجلس على تخت الملك، فلم يسافر أبوه إلى يومين ومات فى ستة 918 هجرية.