يقول الله تعالى فى سورة الجن (عالم الْغيب فلا يظهر على غيبه أَحدا إلا من ارتضى من رسول) فهل معنى ذلك أن الأنبياء كانوا يعلمون الغيب؟ سوف نجد فى هذا الشأن فريقين، ولكل فريق منهما أدلته.
الفريق الأول: الأنبياء والمخلصين يعلمون الغيب
الفريق الذى يرى ذلك اعتمد على الآيات القرآنية.
ويقولون إن القرآن الكريم تناول هذه الظاهرة فى حياة الأنبياء والصالحين بالنصّ وبالتأكيد عليها، حيث نجدهم عليهم السّلام قد امتلكوا القدرة على العلم بالغيب بإذن الله سبحانه واستخدموه لمصلحة الرسالة، وهذه نماذج من ذلك:
قوله تعالى (غلبت الروم، فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِى بِضْعِ سِنِينَ) نزلت هذه الآيات فى أعقاب الحرب التى دارت بين الروم والفرس، وهما الدولتان اللتان كانتا تسيطران على العالم القديم، وكانتا تتنازعان على بلاد الشام وغيرها، حيث أخبرت عن أمر غيبى يقع فى المستقبل القريب.
قوله تعالى:
(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله المسلمين بأنّهم سوف يفتحون "مكّة" فى المستقبل، وقد وقع ذلك فعلاً، ومن الواضح أنّ ذلك إخبار عن الغيب أطلع الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله عليه من خلال الرؤيا.
قوله تعالى:
(مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء) نقل الواحدى عن السدى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال "عُرضت على أمّتى فى صورها كما عُرضت على آدم، وأُعلمتُ من يؤمن لى، ومن يكفر. فبلغ ذلك المنافقين، فاستهزءوا وقالوا: يزعم محمّد (صلى الله عليه وآله) أنّه يعلم من يؤمن به، ومن يكفر، ونحن معه، ولا يعرفنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال تعالى
قال يوسف عليه السّلام لإخوته
{اذْهَبُوا بقميصى هذا فأَلقوه على وجه أبى يأْت بصيرا}.
إنّ ظاهر هذه الآية يدلّ على أن النبى يعقوب عليه السّلام قد استعاد بصره بالشكل الكامل بالقدرة الغيبيّة التى علمها واستخدمها يوسف عليه السّلام من أجل ذلك، ومن الواضح أن استعادة يعقوب عليه السّلام بصره لم يكن من الله بصورة مباشرة، بل تحقّقت بإذنه سبحانه بواسطة النبى يوسُف عليه السّلام.
إنّ النبى يوسف عليه السلام كان السبب فى عودة بصر أبيه، ولولا ذلك لما أمر إخوتَه بأن يذهبوا بقميصه ويُلقوه على وجه أبيه، بل كان يكفى أن يدعوَ الله تعالى لذلك فقط.
الرافضون لـ أن الأنبياء يعلمون الغيب
قال تعالى: قل لا يعلم من فى السَّمَاوَاتِ والْأرض الْغيب إِلا الله وما يشعرون أيان يبعثون وقال تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر زما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين"
وهي آية دلالة على أنه لا أحد مهما علا قدره وبلغ علمه يحيط بعلم الغيب إلا ما علمَهُ الله تعالى فقط، فلا الملائكة الكرام ولا الجن ولا أحد من الأنس نبياً كان أو ولياً صالحاً يحيط بعلم الغيب ومن ادعى ذلك فقد أعظم الفريَةَ، وكذب قول الله تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ.
ومن قال إن أحدًا غيرَ الله يعلم بكل شىء فقد ساوى بين الله وبين المخلوق، فقول بعض الناس: إنَّ الرسول يعلم كل الغيب أى يعلم جميع ما يعلم الله من طريق عطاء الله فقد ساوى بين الله تعالى وبين الرسول والعياذ بالله تعالى. لأنَّ الله تعالى قال فى كتابه: قُل لا يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ، والغيب فى هذه الآية المراد به جميع الغيب، والغيب هو ما غاب عن حس الخلق فما غابَ عن حس الخلق لا يعلم جميعه إلا الله، قال تعالى: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بنص هذه الآية لا يعلم جميع تفاصيل ما يفعله الله به وبأمته فكيف يتجرأ متجرئ على قول: إنَّ الرسول يعلم بكل شىء يعلمه الله؟
ولتزداد يقينا أنظر فى كتاب الله تجد أنَّ الله يقول للرسول محمد عليه السلام: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِى السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، ولقد انزل الله على نبيه جملة من قصص القرون الغابرة والأنبياء ومعجزاتهم ولو كان النبى يعلم الغيب لما احتاج ليقص عليه القصص قال الله تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا وقال الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ، أى ما كنت تعرفه قبل أن نوحى إليك، وقال تعالى: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ".