حكمت دولة المماليك مصر وعدد من الدول العربية، امتدت لتشمل الشام والحجاز، نحو 3 عقود، حيث قامت فى أواخر العصر العباسى الثالث سنة 1250م، واستمرت إلى أن سقطت على يد السلطان العثمانى سليم الأول سنة 1517، بعد انتصاره فى معركة الريدانية، وإعدامه فيما بعد للسلطان طومان باى آخر سلاطين المماليك فى مصر.
والمملوك، جمعه مماليك، هو العبد الذي أُسر ولم يملك أبواه، وكان مصدرهم بلاد ما وراء النهر، واشتهرت مدن سمرقند وفرغانة وأشروسنة، والشاش وخوارزم، بِأنها المصادر الرئيسية لتصدير الرقيق الأبيض ذوي الأصول التركية، لكن بما أن المماليك أستطاعوا أن يكونوا دولتهم، وأصبحوا حكاما على بلاد العرب، فما هى اللغة التى كان يتحدثون بها؟
العديد من الآراء تذهب بأن عددا كبيرا من سلاطين وأمراء المماليك كان بعضهم لا يتحدث العربية أصلا وإن تحدثها فهو لا يجيدها تماما!، وأن المماليك كانوا من جميع أنحاء العالم، ولم يهتموا إطلاقا باللغة العربية أو حتى بأى علم أو أدب آخر؛ وأما العثمانيون فقد تعصبوا للغتهم التركية على حساب العربية، كما ذكر الدكتور عزوز إسماعيل، أستاذ النقد الأدبي، فى تصريحات سابقة.
وبحسب كتاب "تاريخ المغول وغزو الدولة الإسلامية" للدكتور إيناس محمد البهيجي، فإن اللغة الرئيسية عند المماليك كانت اللغة التركية، وهى لغة مملوءة بالفارسية والعربية، على حد وصفها، حتى لو لم يكونوا تركا، فعدد كبير من سلاطين المماليك وأمرائهم وصلوا إلى السلطنة ووظائفها العالية، دون أن تكون لهم معرفة بالعربية، ومع ذلك فكثير من المماليك أتقنوا العربية وأصبح فصيح اللسان، وله مسائل فى الفقه عويصة.
ووفقا لما جاء فى كتاب "ساخرون و ثوار: دراسات علاماتية وثقافية في الإعلام العربى"، فإن ثمة لهجة تركية كانت هى السائدة فى أوساط البلاد المملوكى، وهى التركية التى كان أهل مملكة القرن الذهبى المغولية من القفجاق يتحدثون بها، وكذلك كان المماليك معزولون فى سكنهم بالقلعة، حتى بدءوا ينزلون ويسكنون القاهرة ويتزوجون من المصريات منذ عهد السلطان الظاهر برقوق فى أواخر القرن الرابع عشر الميلادى.
وحسبما ذكر إحسان أوغلي في كتابه "الثقافة التركية في مصر"، فإن اللغة التركية القبجاقية كانت هي لغة الجيش والبلاط المملوكي، لأن أغلب المماليك في الدولة المملوكية البحرية ينحدرون من قبائل القبجاق، إحدى أشهر القبائل التركية التي سكنت صحاري وسهول وسط آسيا، واستمر تسيد اللغة التركية فى دولة المماليك البرجية، رغم أن المماليك آنذاك كانوا من أصول قوقازية، إلا أنهم عرفوا العامية المصرية، فكان قانصوه الغورى والأشرف قايتباي يقرضان الشعر بالتركية، واعتقد البعض أن السلطان المؤيد، تركماني، رغم أصله الشركسي، لفصاحته بالتركية.
وتذكر عدد من التقارير أن شاع فى العصر المملوكي لفظ "أغتم" تعبيرا عمن لا يتحدث العربية بفصاحة، ووصف بها سلاطين، منهم الأشرف إينال العلائي (تـ 865هـ - 1461م) الذي لم يستطع التعبير بالعربية عما بداخله من ولاية العهد لابن، السلطان قايتباى وقانصوه الغورى و الأمير علاء الدين الطنبُغا، كانوا من أبرز المماليك الذين أتقنوا العربيّة وقالوا الشعر بها.