"ينبغى صرف الهمة فى تعليم البنات والصبيان معاً.. فإن هذا يزيدهن أدباً وعقلاً ويجعلهن بالمعارف أهلا، ويصلحن به لمشاركة الرجال فى الكلام والرأى"، نواصل الاطلاع على أفكار رائد التنوير المصرى الشيخ رفاعة الطهطاوى (1801- 1873) الذى كان بوابة علمية كبرى، ساعدت فى دخول مصر العصر الحديث من أوسع أبوابه، وهى بوابة العلم، ونتوقف مع كتابه المهم "المرشد الأمين للبنات والبنين".
يعد هذا الكتاب "المرشد الأمين للبنات والبنين" من الكتب المهمة، حيث إنه يعكس أفكاره المتقدمة حول المرأة، وقضية تعليم البنات، ويبين مفهوم التربية وعلاقاتها بالقيم الدينية ودور الأسرة فى التنشئة، ويدعوا إلى تطوير وضع المرأة المصرية والنهوض بها على قواعد اجتماعية ثابتة تحرر المرأة من أوضاع التخلف التى ورثتها من العصور الوسطى. ويظل هذا الكتاب أول مبادرة للتأصيل الفكرى لهذه القضية.
فى الفصل الأول يتحدث عن معنى التربية وفيها ذكر قول لأحدهم أن التربية نوعين وهى تربية الجسد وتربية الروح، لكنه جعلها الطهطاوى ثلاثة فجعل التربية ثلاثة أنواع تربية الغذاء وهو الطعام وتربية التأديب والتهذيب وتربية تغذية العقول بالمعارف، ومع هذا جعل تربية العقل كتربية الروح التأديبية غذاؤها واحد وهو المعارف فقال:"واما تنمية العقل التى غذاؤه المعارف كغذاء الجسم بالطعام فهى خاصة بالإنسان فكما أن غذاء جسمه بالطعام الطيب ينميه وينعشه ويقوى أعضاءه كذلك غذاء الروح بالمعارف ينميها ويقويها".
وبين رفاعة الطهطاوي هدف التربية بقوله: "وإنما بالتربية تنمو العقول وتتحسن الإدراكات"، وعبر عن ذلك فقال: "وبالجملة فالغرض من التربية تنمية الصغير جسدا وروحا وأخلاقا فى آن واحد"، وبين أثر التربية فقال، "فالأمة التى حسنت تربية أبنائها واستعدوا لنفع أوطانهم هى التى تعد أمة سعيدة وملة حميدة" وأضاف "بخلاف سوء التربية المنتشر فى أمة من الأمم فإن فساد أخلاق بنيها يفضى بها إلى العدم حيث يفشو فيهم الانهماك على اللذات والشهوات والانتهاك للحرمات والتعود على المحرمات".
ويعهد رفاعة بالتربية الأولى للأمهات فيقول: "ففى أوائل حداثة الأولاد ذكورا وإناثا ينبغى إناطة تربيتهم بالنساء مع ملاحظة الأمهات"، وبعد هذا بقية الأسرة فيقول:"ثم فإن تربية الولد ينبغى أن تكون فى بيت أمه وأبيه وهى التربية اللائقة وكل امرأة لم تربها أمها فى صغرها لم ترغب فى تربية أولادها فى كبرها".