تعد رواية حدث أبو ريرة قال للكاتب التونسى محمود المسعدى(1911- 2004) واحدة من الروايات المهمة فى التاريخ الأدبى العربي، ورغم أن العمل كتب فى سنة 1940 إلا أنه صدر عن الدّار التّونسية للنّشر كاملا عام 1973.
وبطل الرواية يدعى أبو هريرة يعيش فى مكة المكرمة التى ترمز إلى التقيد بالروابط الاجتماعية والطقوس الدينية، فهو ملتزم بعباداته متزوج بطريقة شرعية، يمثل الرجل التقليدى فارغ الكيان فى عالم راكد لا حراك فيه، وصلته به تقوم على التسليم بكلّ شىء، إلى أن يجيئه صديق له يدعوه إلى الخروج عن المألوف "أصرفك عن الدنيا عامة يوم من أيامك"، والتحق أبو هريرة بصديقه فتغيّرت علاقته بالعالم، واكتشف أبو هريرة نفسه وعالمه.
ومحمود المسعدى كاتب ومفكر ولد فى قرية تازركة بولاية نابل بتونس، وبدأ تعليمه فى كتّاب القرية حيث أتم حفظ القرآن قبل أن يبدأ مرحلة التعليم الابتدائى فى قريته، ثم أتم الدراسة الثانوية فى المعهد الصادقى عام 1933.
وفى العام نفسه، التحق بكلية الآداب بجامعة السوربون ليدرس اللغة العربية وآدابها، وتخرج فيها عام 1936، وشرع فى إعداد رسالته الأولى "مدرسة أبى نواس الشعرية "، ورسالته الثانية حول " الإيقاع فى السجع العربى"، إلا أن الحرب العالمية الثانية قد حالت دون إتمامهما، ونشرت الثانية، لاحقاً، بالعربية والفرنسية. وقام المسعدى بالتدريس الجامعى فى كل من تونس وفرنسا.
وإلى جانب التدريس الجامعي، انخرط المسعدى فى السياسة، حيث تولى مسئولية شؤون التعليم فى حركة الاستقلال الوطنى التى التحق بها مناضلا ضد الاستعمار الفرنسى، كما لعب دورا قياديا فى العمل النقابى للمعلمين.
بعد الاستقلال عام 1956، تولى المسعدى وزارة التربية القومية، وحيث أسس الجامعة التونسية. وقبلها، كان قد تمكن من إقرار مجانية التعليم لكل طفل تونسي. وفى 1976، تولى المسعدى وزارة الشؤون الثقافية. قبل أن ينهى حياته السياسية كرئيس مجلس النواب وبالإضافة إلى تلك المسئوليات، كان للكاتب نشاط وافر فى منظمتى اليونسكو والأليكسو ومجمع اللغة العربية فى الأردن، وكذلك أشرف على مجلة "المباحث" عام 1944، ثم على مجلة "الحياة الثقافية" عام 1975.
كتب المسعدى أعماله الهامة بين العامين 1939 و1947. وتكشف هذه الأعمال عن تأثير القرآن على تكوينه الفكرى والعقائدى وعلى أسلوبه، كما تنم أعماله عن إحاطته بأعمال المفكرين المسلمين فى مختلف العصور، وبالأدب العربى القديم التى بدأ اهتمامه بها منذ مرحلة دراسته الثانوية، بالإضافة إلى اطلاعه الواسع العميق على الآداب الفرنسية خاصة والغربية عامة.
ومن مؤلفات المسعدى، حدّث أبو هريرة قال (1939، وطبع العمل كاملا عام 1973)، الترجمة الألمانية صدرت فى 11 / 2009، السد (1940، وطبع العمل كاملا عام 1955)، الترجمة الألمانية نشرت فى أكتوبر 2007، مولد النسيان التى نشرت للمرة الأولى عام 1945، وترجمت إلى الفرنسية (1993) والهولندية (1995). الترجمة الألمانية صدرت فى مارس 2008، "تأصيلا لكيان" الذى جمع فيه شتات كتاباته الأدبية والفكرية طوال حياته.