يحتل الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس (1919- 1990) مكانة متميزة فى تاريخ الثقافة المصرية والعربية، تنوعت كتاباته وكثرت، وعرفت طريقها إلى الدراما وحققت نجاحا كبيرا ومن أهم أعماله وأكثرها شهرة رواية "فى بيتنا رجل".
"فى بيتنا رجل" تور أحداثها قبل ثورة 1952 وفيها يروى إحسان عبد القدوس بأسلوبه الأدبى الشيق الرائق الرائع قصة محيى الدين البطل الذى سكنت شخصيته فى خيال كل مواطن مصرى مخلص، يجذب إحسان عبد القدوس القارئ إلى عالم روايته ليجعله متماهياً معها بأحداثها وبشخصياتها وبموضوعها.
ومن أجواء الرواية:
"أحد أيام شهر رمضان، والساعة الخامسة مساء، قبل الإفطار بساعة ونصف.. وكان راقداً فى فراشه بإحدى غرف مستشفى القصر العيني.. غرفة خاصة يقف على بابها جنديان من جنود البوليس يحمل كل منهما بندقية.. واعتدل فوق الفراش، وبدأ يجمع الصحف اليومية المتناثرة حوله، ويرتبها الواحدة فوق الأخرى.. وسقطت عيناه للمرة الألف فوق السطور العريضة الحمراء المنشورة فى صدر الصفحة الأولى: "قرار الاتهام فى قضية...". ولم يتم قراءة السطر العريض، إنما طوى الجريدة بسرعة كما طوى غيرها.. وقام واقفاً واتجه إلى الحنفية المثبتة فى جانب من الغرفة.. وبدأ يغسل وجهه.. وأحنى رأسه وترك الماء ينصب فوقها بقوة كأنما يحاول أن يطفئ ناراً تندلع فيها.. ثم عاد وهو يدفن وجهه فى المنشفة كأنه لا يريد أن يرى هذه النار.. لا يريد أن يرى شيئاً.. وبدأ يبدل ثيابه.. خلع "البيجاما" وارتدى القميص.. ثم جلس فوق الفراش وأخذ يلبس حذاءه.. ثم دسّ يده تحت "مرتبة" السرير وتسلّل بأصابعه داخل شق صغير فيها وأخذ يتحسّس قطع القطن المندوف حتى اصطدمت أصابعه بشيء صلب صغير، جذبه إليه، ووضعه فى كفه وأخذ ينظر إليه برهة فى ضوء تشوبه سخرية كأنه ينظر إلى طفل صغير.. إنه مسدس "براوننج".. ودسّ المسدس فى جيب البنطلون كأنه يخفى ذكرى عزيزة.. وقام يسير فى غرفته جيئة وذهاباً.. ثم ألقى بنفسه فوق المقعد الوحيد.. ونظر إلى ساعته وتنهد، وكأنه خشى أن يتنهد مرة ثانية، فجذب إحدى المجلات من جانبه.. وألقى بالمجلة على الأرض فى عصبية وتمتم بينه وبين نفسه: لن أموت.. لن أمكّنهم مني".