لم يترك المفكر العربى الكبير فراس السواح موضوعًا له علاقة بالأديان والفلسفات والأساطير فى الشرق إلا خاض فيه وأدلى فيه بدلوه ومن ذلك عقد المقارنات بين الأديان ومن ذلك ما فعله فى كتابه "القصص القرآنى ومتوازياته التوراتية".
يقول فراس السواح عن الكتاب "ينشأ كل دين فى بيئة ثقافية معينة تقدم له الخلفية الاعتقادية والميثولوجية التى يشيد بنيته الجديدة انطلاقاً من نقدها وتجاوزها، لكن من الإبقاء على بعض آثار تلك الحقبة الخلفية القديمة، فالعلاقة بين القديم والجديد هنا علاقة جدلية، يتبادل الاثنان فيها التأثر والتأثير وصولاً الى حالة من الاستقرار يلتقى عندها الاثنان فى تركيب لا يشبه أيًا منهما.
ويتابع فراس السواح، فى هذه الدراسة التى أتابع فيها ما بدأته فى كتابى السابق الإنجيل برواية القرآن لا أنطلق، من موقف مسبق من مسألة التشابه بين القصص القرآنى والقصص التوراتى، وإنما من موقف باحث يعتمد منهج علم الأديان المقارن، أما عن مادة المقارنة، وهى التى دعوتها بالقصص، فإنها لا تقتصر على القصص بمفهومه الضيق.
وبدأ الكتاب بعرض موجز لتاريخ التوراة والقرآن وكتابتهم، ثم سرد القصص المتشابه الرئيسية، بداية من الأنبياء إبراهيم ولوط وإسماعيل ويوسف وموسى وداوود وسليمان ويونس وغيرهم، ونهاية بعرض وجهتى النظر للديانتين لمواضيع شائكة وعامة مثل قصة الخليقة وإبليس ويوم القيامة.
والكتاب يقدم دراسة مقارنة بين التراث الشفهى اليهودى متمثلا فى شروحات التوراة والهاجاداة وبين القرآن الكريم، وفيه التزم فراس السواح الحيادية وقدم طرحا علميا المقارن دون التورط فى الاستنتاج أو التعليق عليها، والكتاب استكمال لكتاب الإنجيل برواية القرآن، وكان من الممكن إضافة المزيد من المقارنات والفصول إلا أن الكاتب اكتفى بعرض أهم النماذج لعرض الفكرة.
وفصول الكتاب مقارنة بين الرواية التوراتية المعترف بها أو المتأخرة مع الرواية القرآنية، يبدو فراس السواح دقيقاً فأينما وجد وجه تشابه بين رواية قرآنية زائدة بحث لها عن مشابه توراتى هنا أو هناك وإن لم يجد قال بانفراد القرآن بكذا أو باختلافه عن التوراة هنا، فضلاً عن إضافة الرواية البابلية والسومرية لتوضيح صورة التشابه والتحويرات التى طرأت والتأكيد التاريخى لبعض القصص التى ذكرت فى كتب الملوك كأحداث حقيقية مثبتة مؤرخة.