تمر اليوم ذكرى رحيل الناقد الكبير رجاء النقاش الذى توفى يوم 8 فبراير من عام 2008، الذى يعد أحد أبرز النقاد المصريين فى القرن العشرين، وقد بدأ إنتاجه الفكرى مبكرا وكان كتابه الأول يحمل عنوان "فى أزمة الثقافة المصرية" وصدرت طبعته الأولى فى عام 1958 عن دار الآداب البيروتية.
ويقول فكرى النقاش فى تقديمه للطبعة الجديدة من الكتاب التي صدرت عن قصور الثقافة، كتاب "فى أزمة الثقافة المصرية" بين كتب الراحل رجاء النقاش – التى تربو على الأربعين كتاباً - له أهمية خاصة، وأول أسباب هذه الأهمية هو أنه كتابه الأول على الإطلاق، فقد صدر هذا الكتاب فى يناير 1958، ولم يكن رجاء النقاش قد أتم عامه الرابع والعشرين بعد، وثانى هذه الأسباب أن مقالات هذا الكتاب قد كتبت بين أعوام 1955، 1957، وهذه الفترة لمن عاشها أو يعرفها كانت فترة مليئة بالأحداث السياسية والاجتماعية، وثالث هذه الأسباب هو الموضوعات التى يناقشها الكتاب. وليس أدل على ذلك من هجومه القوى العميق الموجه ضد التدخل الأميركى فى شئون الثقافة العربية، والذى يرتدى اليوم ثياباً جديدة بأسماء جديدة وأسلحة أكثر قوة ودهاء.
والسبب الرابع من هذه الأسباب هو أننا إذا تتبعنا مواقف رجاء النقاش وقناعاته الفكرية الواردة فى الكتاب فسوف نجده قد ظل وفياً لهذه الأفكار.
وخامس هذه الأسباب ولعله أهمها على الإطلاق هو منهجه الفكرى الذى بدأت ملامحه تتجلى بوضوح فى مجمل مقالات الكتاب الذى بين أيدينا، كما أوضح الدكتور سهيل إدريس فى مقدمته للكتاب، وأنا أضيف هنا إلى هذا المنهج تلك النزعة الأخلاقية والتى لم يتخل عنها رجاء النقاش طيلة حياته حتى فى خضم معاركه العنيفة التى اضطر إلى خوضها مرات عديدة – وهى قليلة فى مساره العام – ولكن لهذه المعارك شأن آخر يحتاج إلى دراسة ليس هنا مجالها.
والعجيب أن تجد شاباً لم يبلغ الرابعة والعشرين من عمره فى منتصف خمسينيات القرن العشرين يدرك بوضوح أهمية الثقافة العربية وتاريخها وأعلامها، يدرك مدى حساسية العلاقة بين هذه الثقافة وبين الثقافة الغربية، ويدرك أيضاً طبيعة الإنتاج الثقافى للأجيال السابقة عليه والتى أعجب بها أيما إعجاب ولكنه لم يسمح أن تطمس هذه الأجيال العظيمة وإنتاجها الضخم، كما لم يسمح لبصيرته النقدية أن تغفل عن مواطن الضعف ومواطن القصور فى إنتاج هذه الأجيال، فهو قد عرف بوضوح رؤية الظروف الاجتماعية والسياسية بل والشخصية التى خرجت منها هذه الأجيال وأخرجت لنا إنتاجها الفكرى والثقافى الكبير إلى الوجود وإلى التأثير والفعالية، وهو يضع يده على ضرورة ارتباط الثقافة بحياة أكثرية الشعب الذى كان يعانى – وما زال إلى حد بعيد – من الأمية، ويدرك أيضاً خطورة أن تسقط الأدوات الإعلامية الجديدة – كالصحافة والإذاعة والسينما – فى السطحية والبعد عن حقائق المشاكل التى يعانى منها المجتمع، وربما كان هذا الكتاب هو أول من أشار إلى منهج جديد ونمط شعرى جديد كان قد بدأ فى البزوغ والصعود أيامها فقد كان هو أول من أشار إلى اسم صلاح جاهين وفؤاد حداد فى هذا الوقت المبكر عام 1956.