تقول كتب التاريخ إن منصور فهمى (1886- 1959) بعدما أتم دراسته الثانويّة سـنة 1906 فاز ببعـثة الجامعة المصريّة لدراسة الفسلفة فى جامعة السوربون، حيث أنجز رسالته للدكتوراه والتى مُنع عـلى أثرها من التدريس في الجامعة المصرية قبل أن يعود لها عام 1919، لكنه أعـيد إليه بعـد ثورة 1919، ولم ينشر بالإضافة إلى أطـروحـته التى صـدرت بالفرنسـيّة فى باريس عـام 1913 إلا كـتابًا واحدًا هـو أبحـاث وخطـرات، دار المعـارف، القـاهرة 1930.
وكتاب أحوال المرأة فى الإسلام هو هذه الأطروحة التى يقول "منصور فهمى" فى تقديمه غاية البحث هـذا هو وضع المرأة فى الإسلام، فخاصية حياة المـرأة المُسلمة أذهـلت الأوربيين منذ وقت طـويل، فكُتب الأدب تصف خَيـبة أمل المطلقات وحـياة الحريم، وأمّا علماء العـراقة فإنّهم يصوّرون النساء بالجاهلات المخـبولات والمستعـبدات لشهـوات الرجل، بينما يُصدم المسافر: الأوربى الذى زار الشـرق المسلم بالوضع المؤلم للمرأة.
وأثناء غـزوته لمصر خاطب بونابرت جـنوده قائلاً: فى مصر تختلف معاملة الرجال لنسائهم عـن معاملتنا لهـن" والذى يذهل فعلاً فى وضع المرأة المسلمة هو العزلة المفـروضة عـليها، من هـنا، أهـمّيّة الدراسات المكرّسة لدراسة العـزلة ومن ناحية أخرى فإنّ موضوع تحرير المرأة هـو موضوع الساعة فى البلاد الإسلامية المتقـدّمة، فقـد شعـر المسلمون بالحاجة لإصلاح السلوك والأوضاع الاجتماعية فى حـياتهم، ومن ضمن هـذا الإصلاح إعـطاء الأولوية لمصير المرأة.
وإضافة لأهمية موضوع الساعة، فإنّ عملنا هذا يمثل اهتماما تاريخيًا: فالبحث الذى قمنا به يؤكّـد أنّ ظاهـرة عـزل النساء لم تكن فقط بسبب العامل الدينى بل هى أيضًا نتيجة السلوك الاجتماعى والفـروقات الطـبقـية.
أذن - مع أخذ معطيات تعقّـد الأسباب التى حددت وضع المرأة المسلمة – كان عـلينا تفحّص الأسئلة المختلفة فى الظاهـر ولكن المرتبطة بصميم موضوعـنا هـذا. الدين، القوانين، التقاليد، كل هذه العوامل متعلقة فى بعضها. ولهذا السبب كان علينا أن نصرّ عـلى ذكـر عـدّة مواضيع قد تبدو غـريبة أو لا علاقة لها بموضوع الأطروحة هـذه. وهكذا تكلّمنا مُطـوّلاً عـن زوجات محمد لأنّها كانت ذات صدى فى مجال القانون وأثّرت على سلوك الناس وتقاليدهم: فـذهـنيّة التقـليد التى شـجّـعت أوائل المسلمين المتحمّسين للقرآن، دفعـتهم أنْ يتّبعـوا حـرفيًا أمثولة النبي. أى فى سـيرته وتصرّفاته التى اعـتبرت موسـومة بدمغة إلهـيّة. وكذلك سلوك محمد تجاه زوجاته أعـتبر أيضًا كمثل تـقـتدى به الأجيال القادمة. وهكذا فإنّ فكرة الثبات المقدّسة المدعّـمة بفكرة الإلوهـيّة، بسبب الضغط الذى مارسته عـلى الضمير، قد أبطأت مسيرة التطور الأخلاقى.
من خلال دراسة الوثائق التاريخية استنتجنا الوقائع الضروريّة لنمسك بخط العلاقات بينها. وقد أشرنا إلى بعـض الصلات التى تربط عادة عـزل النساء بنظام العـبودية، فالأولى تريـد التمييز بين المرأة الحرّة وبين الجارية. وفى كل المؤسسات المختلفة التى تعمقنا فى درسها والتى تشكل القاعدة لعملنا، ذهـلّنا للصلة النسبية بين هـذه المؤسسات. وبالتالى فإنّ هـذا البحث ما هـو إلا " تفاعل داخلى بين عـدّة عـناصر وأسباب " كما يقـول العالم. رابو، وسيكون الحكم عـلينا أفضل إنْ أخـذنا بعـين الاعـتبار هـذا المنطلق – تفاعـل مرّكب – الـذى ينطبق جيدًا فى عـلم الاجتماع والذى تمّ إثباته فى بحـثنا هـذا.
فكلّ قسم يحمل بصمة مجـموع المؤسّسات التى بنيت على قاعدة واحدة. ومن جهة أخـرى، كان عـلمنا فى المقدمة أنْ نجمع بعـض المعـطيات عن وضع المرأة العـربية قـبل الإسلام. فسلوك قدماء العـرب لعب دورًا فى تكـوّن المؤسّسات الإسلامية.
وقال منصور فهمى تحت عنوان "حياة محمد العائليّة" "تسع زوجات شكّلن البيت العائلى للرسول، تسع نساء ذوات أعمار مختلفة، ظرف مختلف، وجمال مختلف. والروايات المتلهفة دائمًا فى تتبع سيرة النبى حتى فى حياته الحميمة زودتنا ببعض التفاصيل عن حياة النسوة التسع داخل بيوتهن.
سنحاول أنْ نعطى صورة عن حياتهن ولكن علينا أنْ لاننسى أنّ هذه الحكايات لا تملك دقة الحقائق التاريخية إلا أنّها تعطى فكرة عن البيئة الحياتية التى فى نظر المؤمنين كانت المثل الأعلى لأنْ يقتدوا بها لأنّها تمثّل الكرامة والوقار. وهؤلاء المؤمنون كانوا يطبقون سيرة حياة الرسول على حياتهم الشخصية إلا أنّ تطبيقها تطور قليلاً خلال القرنين الأوّلين للهجرة.
أوّل سمة مميّزة فى بيت الرسول المتعدّد الزوجات كانت عامل الغيرة، غيرة النسوة من بعضهن البعض وغيرة الزوج محمد عليهن.
" ال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتى لضربته. بالسيف غير مُصفح. قال صلى الله عليه وسلم أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغْير منه والله أغْير منى"، ومرة أخرى وقبل ظهور الإرادة السماوية بعزل النساء فاجأ النبى محمد زوجته عائشة بصحبة رجل شاب وتقرأ عائشة الغضب فى عينى زوجها فتحاول أنْ تخفف من غضبه قائلة إنّ الشاب هو أخوها فى الرضاعة إلا أنّ تفسيرها هذا لم يقلّل من غضبه"تقول "ورأيت الغضب فى وجهه ".
وصلت غيرة محمد على زوجاته لدرجة أنّه منعهن من الزواج بعد وفاته، وجاءت الآيات القرآنيّة تمنع زواجهن بعد أنْ أعرب طلحة بن عبد الله عن رغبته فى الزواج من عائشة بعد موت النبى وعلى أثر هذا القانون الصارم اضطرت زوجات محمد الشابات أن يعشن سنينًا طويلة عيشة ترهب.
ويقال أيضًا أنّ محمد ذهب بعيدّا فى غيرته بأنْ طلب من ابن عمه على أنْ يقتل القبطى المبعوث من مصر ليكون فى خدمة الخليلة ماريّا التى عرضها حاكم مصر على النبى، ولم ينج القبطى من الموت إلا عندما تبين لعلى أنّه كان مخصيًا".
إلى جانب نوبات الغيرة هذه، علينا أنْ نبيّن فى شخصية محمد صفات رقيقة، إذ كان يعامل زوجاته بأقصى الرقة حتى فى مواجهة المشاجرات والمعارك اليومية المستمرة والتى كانت تهز بيت النبى المتعدّد الزوجات، فكان على محمد أنّ يكون الحكم وأنْ يتدخّل بدماثته ليخفف من شدّة الخلافات المشتعلة بين زوجاته، فى يوم تعاركت عائشة مع صفية وعيّرتها بمولدها اليهودى وأخذت - عائشة - تتباها بأبيها أبى بكر صديق محمد وحامى الدين الإسلامى، وعندما علم محمد بهذا العراك - الذى كان يتكرّر يوميًا دون شكّ، أخذ يواسى صفية مقترحًا عليها أنْ ترد على غرور عائشة: " ألا قلت أبى هارون وعمى موسى".
وتسامح الرسول تجاه زوجاته كان فريدًا من نوعه، كان يتحمل الكثير من المعارك اليومية التى كانت تفرق بين زوجاته، نعم كان يتحمل الكثير دون اللجوء إلى الحسم السريع على الرغم من تملكه سلطة مضاعفة، سلطة الرسول وسلطة الملك.
ورقة محمد مع زوجاته صارت يُضرب بها المثل. فإنْ اختلفت امرأة مع زوجها، كانت تذكر زوجها بمعاملة محمد لزوجاته، فزوجة عمر بن الخطاب كانت تشتكى من قسوة معاملة زوجها، تخاطبه قائلة " أنا أعجب، يا ابن الخطاب، من رفضك النقاش معى ومع هذا فإنّ ابنتك - إحدى زوجات النبى - تبحث وتناقش مع زوجها النبى حتى تثير غضبه.