صدرت حديثا رواية "مرابع السلوان" للروائى المغربى عبد القادر الشاوى عن منشورات المتوسط، وجاءت الرواية فى 160 صفحة من القطع الوسط، وفيها يدافع "الشاوى" عبر رحلة لوحة الفنان فريد بلكاهية النُّحاسية التى تُخلِّد الواقعة التشيلية فى (متحف الذاكرة)، إنَّها بمثابةِ تجسيدٍ للتَّضامن والتعبير عن المصائر المرتبطةِ بالوجع ذاتهِ، العابرِ للقارات، من مغربِ سنوات الرَّصاص إلى انقلاب بينوشيه.
وحسب كلمة الناشر على غلاف الكتاب فإنَّ رواية عبد القادر الشاوى الجديدة، تقتفى أثرَ المُعذَّبين فى المَغرب، خلالَ مرحلة العدالة الانتقائية فى مقابل محاولات الإنصاف، تحكى قصصهم فى ذلك الماضي، بخجلٍ ربّما، لكن على إيقاع الفضح وكشفِ المسكوت عنه. فهل يكون الإفصاح عنها أثقل وطأةً من تلك الفظاعات التى ارتُكبت؟ سيَرُ أناسٍ ماتوا، وآخرينَ أصيبوا بالجنون، لكنَّهم واصلوا السَّير فى البرارى والسِّياط تجلِدُهم. وإنْ كان للماضى ذاكرة فالحاضر هو مستودع تلك الذاكرة.
ويخاطبُ الناشر القارئ زاعماً: لا تحتاجُ للتورُّطِ فى هذه الرواية، والإحساسِ بمذاقِ النُّحاس على لسانكَ، سوى قراءةِ الجملة الأولى: "سمعتُ يومًا من يقول: إنَّ الذاكرة ليست متحفًا فقط، بل تعزية أيضًا"، لكنَّها لم تعد مكانًا للاستراحة وتخفيف الألم؛ هى سلاحُ الضَّحايا الأخير، فكيف لها أن تخبو؟
إلى مرابعِ السلوان تدعوكم منشورات المتوسط، فمن يشدُّ الرِّحال؟
ومن أجواء الكتاب:
صحيح أننى أنقذتُ نفسي، فيما بعد، عندما تعرَّفتُ إلى هند فى الاتِّجاه الذى لم أكن أتوقَّعه. هذه كانت سيِّدة رائعة، ولكنها مستحيلة. هى التى أرشدتْنى إلى قراءة معاناة المعتقلين الذين تعوى ذاكرتهم فى برارى المغرب المستباح، فيما كان على أن أقعَ فى حُبِّها أو تقعَ فى إعجابي. لا مفاضلة بين الألم والحُبِّ، لأنها مستحيلة. مثلاً. أعرف أننى لا يمكن لى أن أُجبِرَ امرأة كارهةً على الحُبِّ، أو أى كاره على الحُبِّ. أعرف، أيضاً، أن الحُبَّ لا يكون إلَّا فى تجاوُب مع محبوب. هند لعلَّها كانت فى شأنها تغيب كثيراً، وحضورها عابر. كانت فى الألم الذى نما معها منذُ الطفولة، هذا أكيد. فى اليُتم الذى أوجده القمع، هذا واضح كذلك، ولكنَّ قلبها، فيما يبدو، لم يكن ليتَّسع أكثر لما احتواه من حكايات وعواطف وارتباطات. أنا على الهامش، أيضاً، من الألم. كنتُ أقول إننى لستُ من القبيلة، وفى ذلك عزائي. هم لهم آلامهم مع أنهم لا يُدركون أن لى آلامي. لا يهمُّ، إذ المعروف أن كل قوم بما هم فيه فرحون. السجن مكان. أنا نفسي، بأحد المعانى التى أُحبُّها فى الوصف، مكان أيضاً.