صدرت رواية مدارات الشرق للكاتب السورى نبيل سليمان فى سنة 1990 وصارت واحدة من أفضل 100 رواية عربية صدرت فى القرن العشرين، وهى محاولة لاستجلاء ورصد العلاقات المجتمعية فى الحياة السورية ومكنوناتها بصورة دقيقة وعميقة.
ومدارات الشرق ليست رواية تاريخية بالمعنى الضيق المتعارف عليه للتاريخ بقدر اهتمامها بتطور هذه العلاقات خلال فترة تاريخية معينة تتصف بأنها الأكثر حساسية وتأثيراً.
وفى هذه الرواية الرباعية وخاصة الجزء المعنون بالأشرعة يعيدنا نبيل سليمان إلى البدايات الحقيقية لسقوط الإمبراطوريات وتكون الدول وتشكل القوى ليقول للقارئ بصوت هامس وغير مباشر أحيانا.. إن تلك البدايات أوصلتنا إلى هنا وهي مرحلة مفصلية في حياة سورية حيث الحرب العالمية الأولى وتفتت الدولة العثمانية.
فى مدارات الشرق يبدأ نبيل سليمان روايته (الاشرعة) التي لم تكن توحي لقارئها بأنها ستكون الفاتحة لموسوعته مدارات الشرق بل هي رواية تتحدث عن الفترة المفصلية في حياة سوريا، وعن الحرب العالمية الأولى التي كانت المفتتح لدويلات ودول كثيرة ستنشأ عن تفتت ذلك الماموث الذي لم يستطع أن يتحول فيلاً، أعني الدولة العثمانية.
وهذه الفترة التي عرف وشعر كثير من الكتاب أنها البداية والمفتتح فكتب معظم الروائيين الجادين عن تلك الفترة يحاولون عبر قراءتها قراءة ماالذي تم على هذا الوطن؟
يبدأ نبيل روايته بالحديث عن العائدين من (السفربرلك) الحرب العالمية الأولى إلى دمشق وهم ياسين الحلو ، وراغب الناصح ، وإسماعيل معلا، وفياض العقدة وعزيز اللباد.
وحتى تتضح لنا خطة نبيل سليمان من كتابة روايته هذه، وهي خطة وحيدة حتى الآن في الأدب السوري، وهي محاولة الإحاطة بالوطن الجديد سوريا من كل مفاصله، وعبر تشكيلاته، المدينية، والبدوية، والفلاحية، والطوائف الصغيرة فيه.
وكان في محاولته هذه شديد الطموح، وشديد البحث فكتابة نص كمدارات الشرق يحتاج الى بحوث مستفيضة، ودراسات معمقة عن تاريخ (الربع، أو الثلث، أو النصف) الأول من القرن العشرين، دراسات تلاحق تشكلاته القبلية في تحولاتها من البدوية الصرفة في تراتبيتهاالطبقية الصارمة، مشايخ الدم وعلاقتهم شديدة الالتصاق بقبائلهم إن في الفرات والجزيرة أو في الجولان، الى ما يقارب الحالة الريفية - المدنية المبكرة مروراً الى التبدلات المدينية في دمشق وريفها ،الى طائفة كانت غامضة عن الوجدان السوري، منعزلة عنه، ومعزولة عنه، اعني الطائفة العلوية ، وقد كان نبيل جريئاً في التحرش بنقطة حساسة جداً في تاريخ الجبل الذي افضل تسميته باسمه التاريخي جبل السماق، أو جبل الحلو، والانشقاق الكبير الذي تم في جسم الطائفة في ذلك الحين، وفي الدعوة الى إنشاء دويلة طائفية خاصة بهم وحتى الحديث عن الطائفة الأخرى في الجنوب السوري في نزعة بعض أفرادها الانتحارية إلى تشكيل وطن خاص صغير بهم .