"القبطية ليست ديانة، فمن الخطأ البين القول بـ"الديانة القبطية" إلا إذا انصرف الذهن إلى الآلة المصرية القديمة، والقبطية بالتالى لا تعنى المسيحية وليست بديلا عنها، ومن ثم فإن كلمة الأقباط تعنى المصريين جميعًا، المسلمين والمسيحيين على السواء، فهذا قبطى أى مصرى "مسلم" وهذا قبطى أى مصرى "مسيحي"، تضم جميعا بين أحضانها البلد العظيم مصر" هكذا يوضح الدكتور رأفت عبد الحميد فى كتابه المهم "الفكر المصرى فى العصر المسيحي" الذى أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة إعادة نشر مجوعة من الكتب تحت مسمى "الهوية".
يرصد الكتاب حقبة فاصلة من تاريخ مصر، تمتد ما بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين، والتى شهدت تحوّلا كبيرًا فى مجرى التاريخ من العصر الرومانى إلى العصر البيزنطي، أفرز تفاعلا بين التراث الرومانى والتراث اليونانى والحضارات الشرقية القديمة والمسيحيّة.
تحدث الكتاب عن التيارات الفكرية وناقش ما حدث فى تلك الفترة من التحول من عصر إلى عصر، وناقش مكانة مدينة الإسكندرية، وعرض لعدد من هذ التيارات السائدة فى تلك الفترة ومنها السلفية الوثنية، وتيار الفلسفة، وتيار المسيحية المفلسفة.
وعرض الكتاب لـ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، متوقفًا عند الحركة الفكرية فى المدينة، ومكتبة الإسكندرية، واليهودية والمسيحية، والمسيحية والفلسفة، كما يناقش مصر والمسيحية، ويعرض لـ الرهبانية، وبعد ذلك يتوقف عند الإسكندرية والكنيسة الأثيوبية، وينتى بالحديث عن مصر والعرش البيزنطي.
ويؤكد الكتاب أن تلك الاتجاهات والجوانب فاقت فيها مصر زمانها، الأمر الذى أهّل هذا الفكر المصرى إلى الامتداد إلى أفريقيا، وساهم فى احتلال مصر مكانة عظمى فى شئون البلاط البيزنطي.
وفى حديثه عن الرهبانية ينقل رأفت عبد الحميد عن القديس جيروم قول "إذا كان بولس الراهب المصرى هو أول موضع نسق الحياة الرهبانية، فإن أنطونى هو المؤسس الحقيقى والرائد لنظم الرهبانية، والأب الشرعى للسالكين سبل البيد حياة" حيث جعل من مصر مهد ميلاد الرهبانية ومركز انتشارها إلى فلسطين وسوريا وآسيا الصغرى وبلاد اليونان والغرب الأوروبي.
والدكتور رأفت عبد الحميد هو أستاذ تاريخ العصور الوسطى، وشغل منصب عميد كلية الآداب فى جامعة عين شمس، وله العديد من الدراسات والمؤلفات منها: "الدولة والكنيسة"، و"بيزنطة بين الفكر والدين والسياسة"، و"الفكر السياسى الأوروبى فى العصور الوسطى".