الجن جزء من التراث الإسلامى لا يمكن إنكاره، حتى أن البعض يذهبون إلى أن المنكرين لوجوده منكرين لأصول فى الدين، وآخرون يرون أن الجن أصحاب سطوة وسلطة على الإنسان وأنه يقع بينهما الكثير ومن ذلك الزواج.. فكيف يرى التراث الإسلامى ذلك؟
يختلف المسلمون في التراث في هذا الأمر، فيذهب كتاب "آكام المرجان فى أحكام الجان" للمحدث الشبلى الحنفى المتوفى سنة 769هـ إلى أن الجمهور أثبتوا إمكان التزاوج بين الإنس والجن مستدلين بقول الله تعالى لإبليس فى سورة الإسراء (وشاركهم فى الأموال والأولاد) وما ذكره ابن جرير فى "تهذيب الآثار" أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال "إذا جامع الرجل امرأته ولم يسم انطوى الشيطان إلى إحليليه فيجامع معه".
ويضيف "الشبلى" أن المنكرين لإمكان المناكحة اعترضوا بأن الجن خلقوا من نار، والإنس من العناصر الأربعة، وهذا يمنع وجود النطفة الإنسانية فى رحم الجنية، ثم يرد عليهم بأن الجن وإن كانوا خلقوا من نار إلا أنهم لم يبقوا على عنصريتهم النارية، بل استحالوا عنها بالأكل والشرب والتوالد، كما استحال بنو آدم من عنصرهم الترابى بذلك.
أما مشروعية النكاح بين الجنسين فيذكر الشبلى رأيين للعلماء فى ذلك:
الأول: المنع، ونص عليه جماعة من أئمة الحنابلة، واستدلوا بقوله تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا) في "سورة النحل" وقوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" في سورة الروم، موجهين استدلالهم باختلاف الجنسين، وتفسير المودة بالجماع، والرحمة بالولد.
والرأى الثانى يقول بجواز ذلك، ونقل عن الحسن البصرى وقتادة وغيرهما، وحجة هؤلاء فى عدم المنع أن الأصل فى التكليف أنه يعم الفريقين الإنس والجن، وليس هناك ما يخصص هذا التعميم بالنسبة للمناكحة بينهما كما قالوا: إن فى أدلة المانعين نظرًا، لأن الآيتين المذكورتين لا تنصان على التحريم، فاختلاف الجنس لا نص على منعه من النكاح، والمودة والرحمة لا يتعين تفسيرهما بالجماع والولد.
وأصحاب الرأى القائل بالجواز يكرهون هذا النكاح، لأنه لا يحدث به تمام المودة والرحمة، لاختلاف الجنس، ولعدم الاطمئنان على حل المشكلات التى تحدث بين الزوجين، ومن طلاق وتحصيل نفقة، وما إلى ذلك من الأمور التى ذكرها الفقهاء فى هذا الصدد.
بينما يذهب كثيرون إلى أن الأحاديث التى فيها التصريح بوقوع الزواج من الإنسى للجنى، كلها ضعيفة لم تثبت وورد عند أبى داود فى سننه من حديث عائشة (برقم 5107) قالت عائشة: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل رُئى فيكم المغربون؟" قلت: وما المغربون؟ قال: "الذى يشترك فيهم الجن"، وهذا حديث لم يثبت، وكذلك حديث عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحد أبوى بلقيس كان جنياً"، وهذا أيضاً ضعيف.
وهنا قصة لم تصح ولم تثبت من الإمام مالك أنه سئل: هل يجوز للرجل أن يتزوج الجنية؟ فسكت ولم يجب، ثم فى مجلس خاص سئل: لِمً لَمْ تجب؟ فقال: "يجوز، لكن أخشى أن تأتى المسلمة حاملاً من الزنا، ويقال لها: ماذا فعلت؟ فتقول: تزوجنى جني!" فهى غير صحيحة عن الإمام مالك.