ذكر اسم "قوم عاد" فى القرآن الكريم وذكر اسم نبيهم "هود" لكن من هو هذا النبى؟ هذا ما نقرأه اليوم مع المفكر العربى الكبير جواد على (1907- 1987) من خلال كتابه المهم (المفصل في تاريخ العرب).
يقول جواد على "يرد مع قوم عاد ذكر نبى منهم، هو "هود"، وقد نعت فى القرآن الكريم بـ "أخى عاد" "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ"، كما نعت القرآن عادًا بقوم هود "أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ".
وقد نسبه الناسبون إلى "الخلود بن معيد بن عاد"، وإلى "عبد الله بن رباح ابن جاوب بن عاد بن عوص بن إرم" وإلى "عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص بن إرم" ومن أهل الأنساب من زعم أنه "عابر بن شالخ ابن أرفخشذ بن سام بن نوح"، إلى غير ذلك من روايات.
وقد وردت قصته مع قومه ونهيه لهم عن عبادة الأصنام فى القرآن الكريم.
وقد ضُرب المثل بكفر رجل من عاد، اسمه "حمار"، فقيل: "أكفر من حمار"، قالوا: "هو رجل من عاد، مات له أولاد، فكفر كفرًا عظيمًا، فلا يمر بأرضه أحد إلا دعاه إلى الكفر، فإن أجابه، وإلا قتله"، وهى قصة واحدة، رويت بطرق متعددة، تختلف فى التفاصيل، لكنها متفقة من حيث الفكرة والجوهر، وعليها طابع قصص الوعّاظ وأهل الأخبار.
وقد ذكر أصحاب الأخبار أن غالبية "عاد" كفرت بنبوة "هود"، ولم تؤمن به، لهذا أصابها العذاب والهلاك، ولم ينجَ منهم إلا من آمن بـ"هود" واتّبعه وسار معه حين ترك قومه: قوم عاد.
وقد نبّه المستشرقون إلى وجود شبه بين هود و "هود" الواردة فى القرآن أيضًا بمعنى "يهود" {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}. وأشاروا إلى أن "هودا" تعنى التهوّد، أى الدخول فى اليهودية، كما لاحظوا أن بعض النسّابين قالوا إن هودا هو "عابر بن شالح بن أرفكشاد" جدّ اليهود، فذهبوا إلى أن هودًا لم يكن اسم رجل، وإنما هو اسم جماعة من اليهود هاجرت إلى بلاد العرب، وأقامت فى الأحقاف، وحاولت تهويد الوثنيين، وعُرفوا بيهوذا، ومنها جاءت كلمة "هود"، وأنها استعملت من باب التجوّز عَلَمًا لشخص.
وزعم الرواة أن هودا ارتحل هو ومن معه من المؤمنين بعد النكبة التى حلّت بقومه الكافرين من أرض عاد إلى الشحر، فلما مات دفن بأرض حضرموت. ويدّعى الرواة أنه قبر فى وادٍ يقال له "وادى برهوت" غير بعيد عن "بئر برهوت"التى تقع فى الوادى الرئيسى للسبعة الأودية. وهى من الآبار القديمة التى اشتهرت فى الجاهلية بكونها شر بئر فى الأرض، ماؤها أسود منتن، تتصاعد من جوفها صيحات مزعجة، وتخرج منها روائح كريهة، ولذلك تصور الناس أنها موضع تتعذب أرواح الكفار فيه.
ويذهب السياح الذين زاروا هذا المكان ودرسوه إلى أنه موضع بركان قديم، يظهر أنه انفجر، فأهلك من كان حوله. ويؤيده هذا الرأى ما ورد فى الكتب العربية من أنه كان يسمع لهذا المكان أصوات كالرعد من مسافات، وأنه كان يقذف ألوانًا من الحمم يُسمع لها أزيز راعب. ومن هنا نشأت قصة قبر هود، وعذاب عاد فى هذا الموضع، على رأى المستشرق "فون كريمر".
ولا يزال هذا الموضع الذى يقال له "قبر هود"، يزار حتى الآن يقصده الناس من أماكن بعيدة فى اليوم الحادى عشر من شعبان للزيارة، وربما كان من الأماكن التى كان يقدسها الجاهليون.