شكلت حياة محمد بن أبى بكر الصديق (10 هـ ـ 38 هـ) على قصرها حالة فريدة في المجتمع الإسلامي قل حدوثها، فهو ابن أبى بكر الصديق وابن الصحابية أسماء بنت عميس رضى الله عنها، وهى من السابقات إلى الإسلام، وفى مثل هذا اليوم وصل محمد بن أبى بكر إلى مصر واليًا عليها من قبل الخليفة على بن أبى طالب في "685"، ولكن قبل أن يصبح واليا وردت روايات كثيرة في كتب التاريخ تشير إلى أن محمد بن ابى بكر الصديق كان ضمن الشخاص الذين قتلوا عثمان بن عفان رضى الله عنه في داره، وقد وردت هذه الروايات بصيغ مختلفة وذكرت أسماء شتى ممن شاركوا في قتله رضى الله عنه، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هل شارك محمد بن أبى بكر الصديق في قتل عثمان؟.
وبحسب كتاب "محمد بن أبى بكر الصديق.. حياته واحواله زمن الفتنة"، إعداد نضال عباس دويكات، جاء في تاريخ الطبرى في ذكر الخبر عن قتل عثمان بن عفان (ذكر محمد بن عمر، أن عبد الرحمن بن عبد العزيز حدثه عن عبد الرحمن بن محمد، أن محمد بن ابى بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم، ومعه كنانة بن بشر بن عتاب، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق، فوجودا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف في سورة البقرة، فتقدمهم محمد بن أبى بكر، فأخذ بلحية عثمان، فقال : قد أخزاك الله يا نعثل! فقال عثمان :لست بنعثل، ولكنى عبدالله وامير المؤمنين قال محمد: ما اغنى عنك معاوية وفلان وفلان! فقال عثمان: يا ابن أخى، دع عنك لحيتى، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه ، فقال محمد: لو رآك أبى تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك، وما أريد بك اشد من قبضتى على لحيتك، قال عثمان : استنصر اللع عليك واستعين به ثم طعن جبينه بمشقص في يده ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده، فوجأ بها في اصل اذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقة، ثم علاه بالسيف حتى قتله، فقال عبد الحمن: سمعت أبا عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينة ومقدم رأسه بعمود حديد، فخر لجبينه، فضربة سودان بن حمران المرادى بعد ما خر لجبينه فقتله).
ويوضح الكتاب أن ابن كثير وابن خياط ذكر في تاريخهما رواية قريبة من هذا الرواية السابقة وهى أن محمد بن أبى بكر أشار بعينه إلى رجل ممن دخلوا على عثمان فقام إليه ذلك الرجل بمشقص فوجأ به رأسه ثم تعاونوا عليه حتى قتلوه رحمه الله، وقد أورد البعض رواية فيها نكارة شديدة وهذه الرواية تشير إلى محمد بن أبى بكر على أنه أحد قتلة عثمان رضى الله عنه، وقد ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية _أن رجلاً من الأنصار دخل على عثمان، فقال : إرجع ابن أخى فلست بقاتلى، قال: وكيف علمت ذاك؟ قال: لأنه أتى بك النبى صلى الله عليه وسلم يوم سابعك، فحنكك ودعا لك بالبركة، ثم دخل عليه رجل آخر من الأنصار فقال : ارجع ابن أخى، فلست بقاتلى، قال : بم تدرى؟ قال : لأنه أتى بك النبى صلى الله عليه وسلم يوم سابعك فحنكك ودعا له بالبركة، قال : ثم دخل عليه محمد بن ابى بكر، فقال: أنت قاتلى، قال : وما يدريك يا نعثل؟ قال : لأنه أتى بك النبى صلى الله عليه وسلم يوم سابعك يحنكك ويدعو لك بالبركة فخريت على رسول الله صلى الله عليه وسلك، قال : فوثب على صدره وقبض على لحيته، فقال: إن تفعل كان يعز على ابيك، أو يسؤه . قال : فوجاه في نحره بمشاقص كانت في يده)، وقد على ابن كثير على هذه الرواية بقوله : هذا حديث غريب جدًا وفيه نكارة، وقال عنه الشيخ محمد الصبحى في كتابه فتنة مقتل عثمان : إسناده ضعيف: فمبارك يدلس ويسوى وقد عنعن، ذكره الحافظ في المرتبة الثالثة من طبقاته، رجاله من المقبولين.
ويشير الكتاب إلى أن هذه الروايات وغيرها مما تشير إلى أن محمد بن أبى بكر الصديق شارك في قتل عثمان بن عفان بيده أو انه أمر رجلاَ آخر أن يقتله بين ضعفها العلماء، فهى اكثر ما تروى عن الواقدى، أو من روايات سيف بن عمر، وهما ممن لا يصح حديثهما في هذا الجانب، وممن أشار من العلماء إلى عدم صحة هذه الروايات أو إلى أن محمدًا لم يشارك في قتل عثمان رضى الله عنه ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" حيث قال : (والصحيح أن الذى فعل ذلك غيره، وأنه استحى ورجع حين قال له عثمان : لقد أخذت بلحية كان أبوك يكرمها)، وقد رجح ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ إلى أن محمد بن أبى بكر خرج عندما وعظه عثمان رضى الله عنه ولم يقتله (فقال عثمان : استنصر اللع عليك واستعن به! فتركه وخرج، وقيل : بل طعن جبينه بمشقص كان في يده، والأول أصح).
كما استعرض الكتاب في هذا السياق قول الشيخ الألبانى قوله (الروايات التي وردت في اتهام محمد بن ابى بكر الصديق في قتل عثمان رضى الله عنه لم يصح منها إلا أنه دخل عليه فوعظه عثمان رضى الله عنه، فخرج وتركه، وهذه الرواية اتلى رواها ابن عبد البر في كتابه "الاستيعاب بإسناد حسن".
وأضاف الكتاب عدد من الروايات التي تبين أن محمد بن ابى بكر لم يشارك في قتل عثمان بن عفان، وانه قد خرج بعد ان وعظة عثمان، ومن هذه الروايات ما ورد عن كنانة موالى صفية بنت يحى بن اخطب رش الله عنها (قال: شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار امامى أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين، كانوا يدرءون عن عثمان رضى الله عنه: الحسن بن على، وعبدالله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم، وقال محمد بن طلحة : فقلت له: هل ندى محمد بن أبى بكر بشئ من دمه؟ قال: معاذ الله! دخل عليه، فقال له عثمان: يا بن أخى، لست بصاحبى، وكلمه بكلام، فخرج ولم يند بشئ من دمه، قال: فقلت لكنانة : من قتله؟ قال: قتله رجل من اهل مصر، يقال له جبلة بن الأيهم، ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول : أنا قاتل نعثل).
ويؤكد الكتاب أن هذه الروايات الأخيرة تدل على براءة محمد بن أبى بكر من دم عثمان رضى الله عنه، كما تبين أن سبب تهمته هو دخوله عليه قبل القتل، ومن ثم خرج بعد أن وعظه عثمان كما تبين، كما يدعم القول ببراءة محمد بن أبى بكر الصديق من دم عثمان جملة من المور الأخرى، فقد ثبت عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قد ولى محمد بن أبى بكر الصديق ولاية مصر بعد مقتل عثمان رضى الله عنه، وفى نفس الوقت ثبت عن على رضى الله عنه انه لعن قتله عثمان بالجملة، حيث قال لطلحة بن عبيد الله في حوار بينهما "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلموان أن الله هو الحق المبين"، ياطلحة، تطلب بدم عثمان رضى الله عنه! فلعن الله قتلة عثمان، ومع لعنه رضى الله عنه إياهم ومن ألب على عثمان معهم، فكيف يعقل أن يقوم بتوليه محمد بن أبى بكر على مصر إن كان من قتله عثمان أو من الذين البوا عليه لهوى في نفوسهم، أو من الذين حرضوا على قتلة عثمان، كما أن على رضى الله عنه يثق في محمد بن ابى بكر ولولا علمه بانه برئ من قتل عثمان رضى الله عنه، كما أن الدكتور يحيى اليحيى أشار إلى دليل آخر وهو خروج عائشة رضى الله عنها للمطالبة بقتلة عثمان، ولو كان اخوها منهم ما حزنت عليه لما قتل فيما بعد في مصر.