نواصل معا قراءة مشرع (الهوية) الذى تقدمه الهيئة العامة لقصور الثقافة بإعادة نشر مجموعة من الكتب المهمة التى تناولت هوية مصر، ونتوقف مع كتاب (نشأة الروح القومية المصرية.. 1863- 1882) لمحمد صبرى السوربونى ترجمة ناجى رمضان عطية.
يقول الدكتور أحمد زكريا الشلق، فى تقديمه للكتاب، إنه يعد أول دراسة أكاديمية موثقة لمرحلة مهمة وخطيرة من مراحل التاريخ القومى لمصر الحديثة، وهى المرحلة الواقعة بين تولية الخديوى إسماعيل وبين الاحتلال البريطانى لمصر، وإذا تذكرنا أن السوربونى نشرها عام 1924 فمن الممكن أنها كانت دراسة نادرة فى هذا المجال.
ويتألف عمل السوربونى من مقدمة وخمسة فصول، رأى فى المقدمة أن يقدم تمهيدا لموضوع دراسته فى شكل موجز لتاريخ مصر منذ أقدم العصور ليبرر من خلاله "النمط القومى" حسب تعبيره، للمصريين وقدرته على الاستيعاب والمقاومة على مر العصور، ثم ينتقل إلى شىء من التفصيل عند الحديث عن عصر محمد على، الذى رأى فيه رجلا استوعب الدرس العظيم للحملة الفرنسية ووفر لمصر القيادات الضرورية لإدارة أمة حديثة.
ويرى الكتاب أن نشأة الروح القومية المصرية تعود بجذورها إلى عصر محمد على الذى كان يخطط لتأسيس أسرة حاكمة ودولة عظمى مستقلة، ومن ثم فإن القومية تمثلت فى إدراكه للعلاقة بين إنشاء جيش عصرى مصرى وبين أسس الدولة القومية.
والكتاب عندما انتقل إلى دراسة الأزمة المالية والتدخل الفرنسى والإنجليزى فى شئون مصر، انتقد الخديو إسماعيل، ووصفه بأنه رغم أنه بدأ يستكمل مشروع محمد على مستعينا بالأوروبيين فإن لم يمتلك يقظة جده وفطنته، وانتقد إسرافه وسياسة القروض وما جرته على مصر من أزمة مالية أدت إلى التدخل الأجنبي.
ويقول الدكتور "الشلق" إن السوربونى ناقش فى فصل (الرأى العام) صحوة الروح القومية بواسطة نخبة مصرية مثقفة ترجع أصول نشأتها إلى عصر محمد على، حين تكون جيل من المصريين مدرك لذاته.
وكان طبيعيا أن تناقش هذه النخبة المثقفة مشكلات مصر السياسية والاجتماعية وأن تناقش كذلك مشكلتها المالية بجرأة غير معهودة، ساعدها على ذلك ظهور الصحافة الجديدة التى ساهمت فى تكوين الرأى العام بدرجة كبيرة فتواصلت هذه النخبة مع الرأى العام واتسعت دائرة القراء والمهتمين بالشئون اعامة ليصبح الرأى العام ضميرا وطنيا ينبغى أن يحسب حسابه.