واجه التاريخ الإسلامى، ومنذ بداياته، العديد من التحديات نجح فى بعضها وأخفق فى بعضها أيضًا، استطاع المسئولون أن يصلوا لجوهر الأزمة فى بعض القضايا وضاعوا فى التفاصيل فى قضايا أخرى، فمنذ موت النبى عليه الصلاة والسلام، وصار الصدام مندسًا في جميع الخلافات حتى حدث الانقسام.
يقول الدكتور مصطفى الشكعة فى كتابه المهم (إسلام بلا مذاهب) كانت العقيدة الإسلامية تكمن فى قلوب المسلمين فى صفاء ويسر واعتزاز وإيمان حينما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى مرددا قول الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا) وبموته على السلام حاولت الفتنة أن تطل برأسها:
- فى صورة خلاف على الزعامة، واتخذ الخلاف صورة جدية أول الأمر بين المهاجرين والأنصار، ولكن سماحة هذا الدين وعمق جذوره فى قلوب المؤمنين والبعد عن المطامع الذاتية، كل أولئك قد ساعد على وأد الخلاف حينما اعترف المهاجرون بفضل الأنصار ورددوا رأى رسول الله حينا يقوم زعيم الأنصار سعد بن عبادة ويقول عن رضى وإيمان موجها خطابه للمهاجرين: نحن الوزراء وأنتم الأمراء، وتنطفئ الفتنة التى أوشكت أن تندلع بأيسر ما يتصور العقل المفكر برضى الأنصار بأن تكون الإمارة فى المهاجرين.
- وأما فى صفوف المهاجرين فإنا نلمس الإيثار فى البيعة والاختيار، فهذا عمر بن الخطاب العظيم يلتفت إلى أبى عبيدة يقول له: ابسط يدك أبايعك فأنت أمين هذه الأمة على لسان رسول الله، فلا يستبشر أبو عبيدة ولا يرحب ببيعة عمر له ولا يتحمس لأخطر منصب عرفه الإسلام بعد الرسالة، ويعرض أبو عبيدة عن عمر وعن المنصب الذى يبايعه عليه، منصب خليفة رسول الله، وإنما يقول له فى حزم وإيمان ورضى: أتبايعنى وفيكم الصديق ثانى اثنين، فيقتنع عمر ويذهب إلى أبى بكر قائلا: أبسط يدك أبايعك، أنت أفضل مني. فيقول أبو بكر: أنت أقوى منى ويكرر ذلك، ولكن عمر السمح سماحة أبى عبيدة يقول: إن قوتى لك مع فضلك، وتتم البيعة لأبى بكر خليفة للرسول العظيم.
وتقابل بيعة أبى بكر بالرضى من المهاجرين والأنصار على السواء، حتى إن أحد زعماء الأنصار، ولعل سعد بن عبادة، يقول فى مقام تعظيم أبى بكر عند البيعة: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
-وإن كان على بن أبى طالب كرم الله وجهه قد استأنى فى بيعة أبى بكر بعض الوقت فإنه ما لبث أن بايعه راضيا كل الرضى، فليس من شك فى أن عليا كان يحب أبا بكر ويجله ويضع فى مكانه من الإكبار والتقدير.
- فإذا مات أبو بكر لا يلبث المسلمون جميعا أن يرتضوا مشورته قبل وفاته باختيار الخليفة العظيم عمر بن الخطاب ومن بينهم على، وكان الخليفة يستعين به فى حل عظائم الأمور ويقول "أعوذ بالله من مشكلة ليس فيها أبو حسن (وهى كنية الإمام على).
- ويظل أمر المسلمين هادئا حتى يحدث الشقاق إزاء سياسة عثمان بن عفان الخليفة الثالث، وتنتهى الأمور بمأساة قتله وهو يتلو كتاب الله، فبايع أكثر المسلمين على بن أبى طالب الخليفة الرابع أميرا للمؤمنين، ولكن شبح الأطماع الشخصية وبقايا العصبية القبلية تطل برسها لأول مرة فى الإسلام، فينقسم المسلمون إلى قسمين أو حزبين: حزب ينتصر لعلى وحزب ينتصر لمعاوية، أو بالأحرى حزب يتشيع لعلى وحزب يتشيع لمعاوية، وبمرور الزمن أصبحت لفظة التشيع عنوانا ودلالة لأنصار على وأبنائه وأحفاده من بعده. وكانت الشيعة فى أول أمرها رأيا سياسيا ليس أكثر، كما كانت دعوة الأمويين للخلافة وحصريا فى معاوية رأيا سياسيا أيضا.
- يستشرى الخلاف بين أنصار على وأنصار معاوية ويجرى التحكيم المعروف الذى كان أبطاله أبو موسى الأشعرى وعمرو بن العاص فلا يرضى به جناح من حزب على فيخرجون عليه ويكونون حزبا ثالثا يعرف بالخوراج.