قدم المفكر العربى الكبير جواد على (1907- 1987) معلومات كثيرة عن تاريخ وجغرافيا العرب قبل الإسلام، نستعرضها بشكل يومى من خلال قراءة كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" الذى صدر فى سنة 1969.
ويقول اكتاب عن قوم "جديس" إن البعض قال عنهم إنهم "حى من عاد، وهم إخوة طسم، أو إنهم من كانوا يناسبون عادًا الأولى. وقالوا إنهم أبناء "جديس بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح"، أو أبناء "جديس" شقيق "ثمود بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح"، أو ما شابه ذلك من نسب. وقد كانوا أتباعًا لطسم، ويسكنون معهم فى اليمامة، ثاروا على "عمليق" "عملوق" ملك طسم، فكانت نهاية طسم كما كانت نهاية "جديس، ولذلك قيل "بوار طسم بيَدَى جديس".
ويذكر أهل الأخبار أن جديسًا لما قتلتْ "عملوقًا" ومن كان معه من قومه طسم، هرب رجل من طسم اسمه "رباح بن مُرّة"، حتى أتى "حسّان بن تُبَّع" فاستغاث به، فخرج "حسّان" فى حِمْيَر، فأباد جديسًا، وخرب بلادهم، وهدم قصورهم وحصونهم، ويرى "كوسين دى برسفال" أن إغارة حمير المذكورة كانت حوالى سنة "250" بعد الميلاد.
ويرتبط بخبر هذه الإبادة قصة امرأة زعم أنها كانت أقوى الناس بصرًا، ترى من مسافات بعيدة جدًّا عرفت بـ"زرقاء اليمامة" وقد ورد قصص عنها ذكره أهل الأخبار، وورد فى بعض الأخبار أن "جذيمة الأبرش" كان قد حارب "طسمًا" و"جديسًا".
ويذكر أهل الأخبار أن "حسّان بن تُبّع" الذى أوقع بجديس، هو "ذو معاهر"، وهو "تبع بن تبع تبان أسعد أبى كرب بن ملك يكرب بن تبع بن أقرن"، وهو أبو "تبّع بن حسان"، الذى يزعم أهل اليمن أنه قدم مكة ويثرب، وأنه وجّه ابنه "حسان" إلى "السند" وابنه "شمرد الجناح" "سمر"، إلى آخر ذلك من قصص سأتحدث عنه فى أثناء الكلام على مملكة "حمير وذى ريدان".
ويذكر أهل الأخبار أيضا أن التى أبصرت جند "حسان" اسمها "اليمامة"، وكانت أول من اكتحلت بالإثمد، ولهذا تكوّنت فى عينيها عروق سود منه، كانت هى السبب فى نشوء حدة البصر عندها وأن "حسان" أمر ففقئت عيناها لإدراك سبب حدة بصرها، فاكتشف وجود الإثمد بهما، ويزعمون أنه أمر بإبدال اسم "جوّ" مساكن طسم وجديس إلى "اليمامة"، فعرفت بهذه التسمية مذ ذلك الحين.
وإذا كان ما جاء فى شعر الأعشى عن "اليمامة" وعن حسان صحيحاً، فإن ذلك يدل على أن القصة المذكورة كانت شائعة معروفة فى أيامه بل وربما قبل أيامه، والظاهر أن أهل الأخبار قد أخذوا اسم اليمامة من اسم المكان، فصيّروه امرأة ذات بصر حديد، ونجد قصة "اليمامة" ومجىء التبع فى شعر للنمر بن تولب العُكلى. ونجد اتفاقًا بين القول المنسوب إلى اليمامة فى سياق القصة وبين قولها فى الشعر المنسوب إلى الأعشى وإلى النمر.
وقد ذكر "ابن دريد" أن "تبع" أرسل على مقدمته "عبد كلال بن مثوب بن ذى حرث بن الحارث بن مالك بن غيدان" إلى اليمامة، فقتل طسمًا وجديسًا. ولم يذكر اسم ذلك التبع ويعتقد بعض المستشرقين أن اسم "jolisitae" أو "jodisitae" الوارد فى "جغرافيا بطلميوس" إنما يقصد به قوم "جديس"، وأنهم كانوا معروفين فى حوالى سنة "120" بعد الميلاد.