قدم الكاتب السورى حليم بركات روايته "طائر الحوم" فى سنة 1988، وتحولت الرواية بعد ذلك لواحدة من أفضل 100 رواية عربية صدرت فى القرن العشرين.
يقدم حليم بركات تقريراً صادقاً عن حياته الشخصية، فالرواية قصيرة ذاتية ومركزة يستعيد بركات ماضيه كله ويزودنا بوثائق أصيلة عن رحلة حياة طويلة فى الاقتلاع والحنين إلى الوطن والاغتراب.
لكن تجربة الكاتب الشخصية سرعان ما تتحول إلى بيان عام أشمل يتجاوز واقع كاتبها لينسحب على المفكرين العرب الذين يعانون الاضطهاد والنفى يأتى كل هذا بأسلوب اعترافى يفصح عن تجارب شخصية غاية فى الخصوصية ويكشف بصراحة متناهية عن أفكار مغيبة فى لا شعور الكاتى ويسلط الضوء على خمسين سنة من تاريخه وأحداث حياته.
تبدأ الرواية بنقطة ارتجاع سينمائية وتنفتح على مشهد من الماضى هو "الكفرون" قرية الكاتب ومسقط رأسه إذ تظهر فى السماء أسراب من طيور الحوم الوديعة الرائعة الجمال تتأمل رحيلها إلى مناطق دافئة بعد أن انتهى موسم الصيف وبدأ فصل الخريف. وسرعان ما يتحول هذا المشهد الهادئ الجميل إلى مشهد دموى إذ يطلق الصيادون الأشرار نيران بنادقهم فجأة على الطيور البريئة فتسقط مضرجة بجراحاتها بأجنحة مترنحة ويتناثر ريشها الأبيض والأسود فوق رؤوس الأشجار ثم يسقط فى النهر حيث يمتزج ماؤه بالدماء.
وأمام هذا المشهد يقف الطفل الرواوى مراقباً بجزع وخوف الطيور الصامتة البريئة وهى تنتظر موتها البطئ. ومنذ هذه اللحظات يتوحد الطفل بطائر الحوم ليصبح عنده، فيما بعد، رمزاً للمفكر العربى المظهد، المحاط بكل قوى الشر والطغيان، الذى يدور إلى الأبد حول الكرة الأرضية ولا يجد مواطئا لقدمه، باحثاً على الدوام عن الحرية والخلاص لنفسه ولأمته فى آن معاً، وناشداً الحلول لتناقضات الكون الحادة فى الفرح والحزن، فى الفقر والغنى، فى الحب والكراهية، فى الشرق والغرب، وفى البحث عن معنى الحياة والموت.
بات الطفل الرواى الذى شهد عدوان الصيادين وشر الناس معذب روح الطفولة نتيجة الظلم والعدوان الممارس ضد الطيور والمنطبق على الأفراد والمجتمعات والأمم. كما بات مشحوناً بكراهية شديدة لبشاعة هذا العالم، الذى ينذر نفسه داعية للتمرد والحرية والثورة فى كل مجالات الحياة، على مستوى الفرد والمجتمع معاً. ويؤمن بشكل عميق بأن أبيات بابلو نيرودا – التى أوردها فى الصفحة الأولى من الرواية :، هذه هى الأرض التى أغرقت جذورها فى شعرى عمقها فى داخلى كما فى تلك البحيرة المفقودة تسكن رؤية طائر، تنطبق على العالم العربى وبشكل أكثر تحديداً يؤمن بأن نيرودا ماهى إلا رؤيته هو والتى تنشد الخلاص وتسعى إليه.
وحليم بركات عالم اجتماع وأستاذ جامعى وروائى سورى، ولد فى الكفرون فى سوريا عام 1933 توفى والده عندما كان فى سن العاشرة فانتقلت عائلته للعيش فى بيروت حيث نشأ، عملت أمه وكافحت لتعيل العائلة وتعلم أبناءها، حصل على شهادتى البكالوريوس والماجستير في علم الاجتماع من الجامعة الأميركية فى بيروت ثم دكتوراه فى علم النفس الاجتماعى من جامعة متشجن في الولايات المتحدة1966.
له العديد من المؤلفات والمقالات المنشورة منها القمم الخضراء (1956) الصمت والمطر (1958) ستة أيام (1961) عودة الطائر إلى البحر (1969) الرحيل بين السهم والوتر (1979) طائر الحوم (1988) إنانة والنهر (1995) المدينة الملونة (2006).