كثير من التطرف ينبع من التفسير الخاطئ للدين وفى طريقه لا يفرق بين رجل وطفل بل يجعل الجميع صفا واحدا بمثابة وقود لأفكار سامة لا تقدم سوى الموت والهلاك، وفى التاريخ وقع الأطفال كثيرا ضحايا بعد تحويلهم لأدوات حرب، نستعرض بعضها:
الحملة الصليبية لـ الأطفال
على مدار الـ200 عام (1096 - 1291) كانت الحملات الصليبية لا تتوقف على الشرق، قادمة من أوروبا تقتل وتسرق وتنهب تحت ستار الدين، لكن الغريب أن هناك حملة كان معظمها أطفال جاءت إلى الشرق يقودها طفل فى الـ12 من عمره.
فى الحقيقة هى لم تكن حملة واحدة بل حملتان جاءتا فى عام 1212م، فبعد فشل الحملة الصليبية الرابعة خرجت من أوروبا الغربية حملة عجيبة هى تلك التى عرفت باسم "صليبية الأطفال Children's Crusade"، كانت بمثابة رد فعل شعبى لفشل البابوية وحكام أوروبا فى أخذ مدينة القدس، وقد رصدت عدة كتب هذه الحملة منها كتاب "ماهية الحروب الصليبية" لـ قاسم عبده قاسم.
وقد خرج من طيات هذه الموجة الدينية الجارفة صبى فرنسى فى الثانية عشرة من عمره اسمه ستيفين Stephen من مدينة كلوى Cloyes الصغيرة فى إقليم أورليانز، وفى أحد أيام شهر مايو سنة 1212م ظهر هذا الصبى الراعى أمام بلاط الملك الفرنسى فيليب أغسطس فى لمعان دونى، وزعم أنه رأى رؤية منامية مؤداها، أن السيد المسيح عليه السلام، أتى إليه فى المنام، وأمره بأن يدعو إلى قيام حملة صليبية إلى بلاد الشام، ومعه خطاب قال: إن المسيح شخصيا أعطاه إياه لكى يوصله للملك.
وزعم "ستيفين" أن العناية الإلهية اختارته لقيادة حملة من الأطفال الأبرياء الذين سوف يستردون مدينة القدس بعد أن فشل الملوك والأمراء والبابا وغيرهم من الكبار فى استعادتها بسبب ذنوبهم، واجتذب ستيفين عشرات الآلاف من الأطفال من باريس ومن غيرها من أقاليم فرنسا، وتصور أن البحر سينشق لكى يعبر هو ورفاقه إلى القدس، وتجمع حول المركب عددًا من صغار القساوسة.
وسار موكب حملة الأطفال الصليبية حتى مرسيليا فى انتظار أن ينشق البحر أمامهم فى معجزة مثل تلك التى حدثت للنبى موسى عليه السلام، وهلك الكثيرون من مشقة الطريق، ولما وصلوا إلى البحر لم يجدوه قد انشق، ثم جاءت سفن لكى تنقل منهم عددًا كبيرًا إلى جهة مجهولة.
ويلاحظ أن تلك الظاهرة الطارئة الجديدة، لم تكن خاصة بالصليبين الفرنسيين فقط، فحين وصلت أنباء حملة ستيفين إلى حوض الراين، خرجت من ألمانيا بعد أسابيع قليلة من رحيل ستيفين حملة أطفال أخرى بقيادة صبى اسمه نيقولا Nicholas من إحدى قرى إقليم الراين.
وتصور نيقولا Nicholas أن بإمكانه تحرير بيت المقدس، وجمع حوله الآلاف من الصبية، وانطلق الموكب العجيب من مدينة كولون وسلكوا طريقًا إلى إيطاليًا من خلال جبال الألب، وهناك انقسموا قسمين: أحدهما ركب السفن من ميناء بيزا، والقسم الآخر وصل إلى ميناء برنديزى.
وعلى أرض إيطاليا تخلفت أعداد كبيرة من أولئك الأطفال؛ بسبب الجوع والبرد أو الخوف من ركوب البحر، أما الذين سافروا بالفعل فإن أحدًا لم يعرف أبدا ماذا جرى لهم على وجه اليقين.
تجنيد الأطفال فى داعش
من الكتب التى تستحق القراءة كتاب "تجنيد الأطفال.. داعش – الحوثيون – بوكو حرام" وهو صادر عن مركز المسبار ويناقش قضية مهمة شهدها العالم بصورة كبرى فى السنوات الماضية، وعادة ما تأتى مرتبط الجماعات الدينية.
وتقول مقدمة الكتاب "تترك الحروب آثاراً سلبية ومدمرة فى المجتمعات التى تمر بهذه التجارب المؤلمة، ويُعتبر الأطفال الفئة الأكثر عرضة لمخاطر العنف الناجم عنها، على المستويات الاجتماعية والصحية والنفسية والمستقبلية، هذا عدا احتمالات الهجرة واللجوء والاستخدام من قبل الأطراف المتنازعة أو الجماعات الدينية المتطرفة، التى تعمل على استغلال الطفولة فى صراعها الدامى.
تشير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى أنه فى أكثر من نصف الدول المتحاربة عام 2003 عبر العالم، تفيد التقارير عن وجود مقاتلين تحت سن الخامسة عشرة، ومن بين الأسباب المؤدية إلى مشاركة الأطفال فى العمليات العسكرية كمحاربين الآتى: البحث عن الأمن والحماية والغذاء، والشعور بالضجر والإذلال والإحباط، والترهيب، فضلاً عن الوعود التى يتلقاها هؤلاء الأطفال بشأن الانتفاع بالتعليم والحصول على فرص للعمل، أو رغبتهم فى الثأر لموت أفراد من أسرهم.
وأدت النزاعات الأهلية التى تمر بها بعض الدول فى الشرق الأوسط وأفريقيا إلى تعريض الأطفال لأسوأ أنواع العنف والابتزاز. فى انعكاسات الأزمة السورية بدءاً من عام 2011؛ نبهت تقارير أممية إلى ضياع جيل كامل من الأطفال؛ بسبب تركهم المدارس وإجبارهم إما على النزوح أو اللجوء والهجرة. إلاّ أن التداعيات الأخطر تتمثل فى تجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" و"بوكو حرام" و"جماعة الحوثى".
ويشار إلى أن تنظيم داعش بعد سيطرته على الموصل (تمّ تحريرها على يد القوات العراقية فى يونيو 2017 بعد سقوطها عام 2014) أنشأ ما أطلق عليه «أشبال الخلافة»، حيث اعتمد على وسائل عدة، طوعاً أو كرهاً، من بينها: الترغيب والهدايا، والاختطاف، والإغراءات المالية.
يتناول كتاب المسبار (تجنيد الأطفال: داعش – الحوثيون – بوكو حرام) ملف تجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية فى كل من سوريا والعراق واليمن والصومال ونيجيريا، وسعت الدراسات إلى تبيان أبرز المفاصل المرتبطة بهذا الموضوع فدرسته من جوانب عدة، من بينها الجانب القانونى والرصدى والاجتماعى والتأهيل بعد انتهاء النزاعات.
وسعى المجتمع الدولى لوضع قواعد وآليات وتدابير لحماية الأطفال من الآثار الخطرة للنزاعات المسلحة، التى صبت فى اتفاقيات وصكوك دولية والتزامات ومبادئ تدخل فى إطار القانون الدولى الإنسانى الذى نبع من اعتقاد راسخٍ يوجب فرض قيود تمنع تحويل النزاعات البشرية المسلحة إلى حروب بربرية. لقد ناقشت إحدى الدراسات أهم القوانين الدولية من خلال أربعة محاور: حماية الأطفال من آثار النزاعات المسلحة باعتبارهم مدنيين، حماية الأطفال الجنود ومن هم تحت الاحتلال، تجريم تجنيد واستخدام الأطفال فى الأعمال الحربية، ومساءلة الأفراد أمام المحكمة الجنائية الدولية ومكافحة الإفلات من العقاب.
عمل تنظيم "داعش" فى الأماكن التى سيطر عليها فى العراق على تجنيد الأطفال؛ حيث لجأ إلى وسائل عدة فى مراحل إعدادهم وتدريبهم، ساعياً إلى تجهيز جيل جديد من المقاتلين بشكل لا يشبه أى تنظيم آخر، والهدف هو ضمان الاستمرارية فلجأ إلى تبنى وسائل نفسية ومادية جديدة لتجنيد الأطفال من المقاتلين، حيث ضاعف من جهود التلقين الأيديولوجى والعسكرى التى استخدمها قبله تنظيم «القاعدة».
واستند تنظيم «داعش» إلى وسائل غير تقليدية لتجنيد الأطفال من خلال مواقع التواصل الاجتماعى والألعاب الإلكترونية، وهذه الأخيرة تقوم على خمسة عناصر خلال عملية الاتصال فالمُجنِد (المرسل) هو العنصر الأول، والعنصر الثاني: الرسالة، والعنصر الثالث هو قناة الرسالة (الألعاب الإلكترونية)، والعنصر الرابع يكون فيه اللاعب المُجنَّد (المستقبل)، والعنصر الخامس هو التغذية الراجعة، وهو رد المستقبِل، وتتأثر بمدى فهمه للرسالة سواء كان ذلك قولاً أو فعلاً. واستكمالاً للحالة العراقية تطرق الكتاب إلى تجنيد الأطفال والمراهقين من قبل الحشد الشعبى فحاول الإحاطة بالدوافع الجاذبة والتى تتراوح بين ثلاثة: الإخفاق الدراسى، الحافز المالى، وإثبات الذات.